لم يكن العمّال الأميركيون ممتعضين من أصحاب العمل على هذا النحو منذ ثمانينيات القرن الماضي. ففي خلال العام الماضي، شهدت الولايات المتّحدة حركة إضرابات عمّالية هي الأوسع والأكبر منذ عقود، إذ بدأ العام بإعلان المعلّمين في ويست فرجينيا الإضراب عن العمل، وانتهى باعتصام نظّمه عمّال سلسلة فنادق ماريوت امتدّ إلى أربع ولايات.وفقاً لمكتب إحصاءات العمل في الولايات المتّحدة الأميركية، سجّل عام 2018 رقماً قياسياً بعدد العمّال الأميركيين المضربين أو المتوقّفين عن العمل بسبب نزاعات مع أصحاب العمل. وشارك نحو 485 ألف عامل في الإضرابات الرئيسية، وهو الرقم الأعلى منذ عام 1986، عندما أضرب جامعو النفايات وعمّال الحديد ومضيفات الطيران عن العمل. ويشير هذا العدد المتزايد للعمّال المشاركين في الإضرابات إلى أن عموم الأميركيين يعجزون عن لمس آثار «المعجزة الاقتصادية» التي تحدّث عنها الرئيس دونالد ترامب، بل على العكس يرون أن الاقتصاد آخذ بالتوسّع والأرباح تنمو من دون أن ينعكس ذلك على أجورهم. تبيّن الإحصاءات أن المعلّمين في المدارس الرسمية كانوا الأكثر إحباطاً على الإطلاق، ونظّموا الاعتصامات الأكبر خلال العام الماضي، وأسهموا في تغذية «عمليات المقاومة» ضد أصحاب العمل، بحيث امتدت الحركات الاعتراضية إلى عمّال الفنادق وعمّال الحديد الذين نظّموا أيضاً إضرابات استمرّت لأيام عديدة. وعلى الرغم من أن المشاركين في الإضرابات لم يكونوا كلّهم مضربين فعلياً عن العمل، كون بعض أصحاب العمل أوقفوا كلّ العمليّات في مؤسّساتهم خلال الاعتصامات، وأغلق البعض الآخر رافضين السماح للعمّال بأداء وظائفهم في ظلّ وجود نزاعات تعاقدية، إلّا أن أكثر من 20 تحرّكاً رئيسياً شكّل الإضرابات العمّالية الأضخم، وانتهت بزيادة أجور آلاف العمّال.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

برزت أربعة إضرابات رئيسية خلال العام الماضي، استناداً إلى أيام العمل التي عُطّلت وعدد العمّال المشاركين فيها، وهي:
إضراب المعلّمين في أريزونا الذي نظّم في نيسان/ أبريل الماضي، وشارك فيه نحو 81 ألف معلّم وموظّف مدرسي، واستمرّ لستة أيام، ورتّب نحو 486 ألف يوم عمل ضائع مع إغلاق أكثر من ألفي مدرسة حكومية، وهو نظّم احتجاجاً على تخفيض تمويل التعليم العام بعد التخفيضات الضريبية الكبيرة التي أجراها الجمهوريون بما انعكس على أجورهم. وبنتيجته أقرّ المجلس التشريعي للولاية زيادة على الرواتب بنسبة 20% على مدى ثلاث سنوات. على الرغم من ذلك، لم يحصل المعلّمون على كلّ ما أرادوه لناحية زيادة الضرائب على أرباح الأثرياء لاستعادة قيمة التخفيضات التي طاولت التعليم العام وزيادة رواتبهم، بل أتى تمويل هذه الزيادة عبر فرض رسوم على سائقي السيّارات، ما رتّب أعباءً إضافية على الأسر المعيشية والطبقة المتوسّطة.
إضراب المعلّمين في أوكلاهوما في الشهر نفسه، والذي شارك فيه 45 ألف معلّم وموظّف مدرسي، واستمرّ لمدّة 9 أيام، ورتّب نحو 405 آلاف يوم ضائع، إذ أغلق نصف المناطق التعليمية في الولاية التي تزيد على 500 مدرسة وتضمّ 75% من مجمل طلّاب الولاية. طالب المعتصمون برفع أجورهم، خصوصاً أن متوسّط أجور المعلّمين يحتل المرتبة 49 في البلاد، وزيادة التمويل للتعليم العام إلى نحو 3.3 مليارات دولار لمدّة ثلاث سنوات، وانضمّ إليهم الموظّفون الحكوميون. بالنتيجة، حصل المعتصمون على 479 مليون دولار من التمويل الإضافي وزيادة على رواتبهم، وهو جزء بسيط مما طالبوا به.
إضراب المعلّمين في ويست فرجينيا في شباط/ فبراير 2018، والذي شارك فيه نحو 35 ألف معلّم وموظّف مدرسي، ورتّب 318 ألف يوم عمل ضائع، واستمرّ لمدة 9 أيام. طالب خلاله المضربون برفع أجورهم المجمّدة منذ عام 2014، نتيجة خفض المشرّعين الديموقراطيين والجمهوريين، على السواء، ضريبة الأرباح على الشركات لأكثر من عقد، ما أدّى إلى تخفيض الإنفاق العام على المدارس وتراجع حصّة كلّ طالب من مجمل ما تنفقه الولاية بنسبة 11.4% بالمقارنة مع عام 2008. في الحصيلة حصل المعلّمون على زيادة بنسبة 5% على رواتبهم، وتعليق زيادة أقساط التأمين الصحّي.
إضراب عمّال ماريوت في تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، وهو يعدّ الإضراب الفندقي الأكبر في تاريخ الولايات المتّحدة، عندما رفض 6 آلاف موظّف في فنادق ماريوت في أربع ولايات الذهاب إلى العمل، واستمرّ لشهرين حتى وافقت الشركة التي تدير إحدى أكبر سلاسل الفنادق في العالم وأكثرها ربحية، على منحهم زيادة على الراتب وزيادة مخصّصاتهم، فضلاً عن زيادة الحماية ضدّ التحرّش الجنسي والعنف الذي يتعرّضون له.
لا توجد أي مؤشّرات على انحسار الحراك العمّالي حتى الآن. ففي بداية 2019، أطلق المعلّمون في لوس أنجلس ودنفر إضرابات خاصّة بهم، أدّت إلى زيادة رواتب المعلّمين في لوس أنجلس بنسبة 6% وتخفيض عدد الطلاب في كلّ فصل. أمّا في دنفر، فالإضراب مستمرّ ويطالب المعلّمون بزيادة رواتبهم المنخفضة جدّاً نسبة إلى كلفة المعيشة المرتفعة في المدينة، وإصلاح نظام التعويضات الذي يعتمد بشكل كبير على المكافآت المتقلّبة التي يحصلون عليها خلال السنة.

* يستند هذا التقرير إلى مقال نُشر في VOX