ارتفعت موجودات المصارف اللبنانية من أقل من 10 مليارات دولار في عام 1992، أي بعد نهاية الحرب، إلى أكثر من 230 مليار دولار حالياً، أي من 186% من مجمل الناتج المحلي إلى 447%. ينظر معظم اللبنانيين إلى هذا التراكم بوصفه ثروة، ويدلّ على نجاح مصرفي باهر، ولكن ما الذي يقابل هذه الصورة؟
ارتفعت المديونية العامّة والخاصّة من أقل من 6 مليارات دولار إلى أكثر من 200 مليار دولار، أي من 107% من مجمل الناتج المحلي إلى أكثر من 389%. وفي حين تضاعف مجمل الناتج المحلّي أقل من 10 مرّات في هذه الفترة، تضاعفت المديونية أكثر من 36 مرّة وتضاعفت معها موجودات المصارف 24 مرّة.

ماذا يعني ذلك؟ في السنوات العشر الماضية، على سبيل المثال، قبضت المصارف نحو 85 مليار دولار كفوائد، ودفعت إلى المودعين نحو 57 مليار دولار منها. هذه الكتلة الهائلة من الفوائد، التي توازي ربع الناتج المحلّي تقريباً، جاءت من مصدرين أساسيين: الدولة (الضرائب) والأسر (الاستهلاك).
أكثر من 62% من موجودات المصارف موظّفة حالياً في الأدوات السيادية، أي في مديونية الدولة، الحكومة ومصرف لبنان، وتُدرّ فوائد بنحو 7 مليارات دولار سنوياً. وإذا نظرنا إلى هيكلية إنفاق الحكومة وحدها من دون مصرف لبنان والمؤسّسات العامّة الأخرى، يتبيّن أن الحكومة جبت بين عامي 1993 و2017 نحو 144 مليار دولار، معظمها ضرائب. وأنفقت أكثر من نصفها (77 مليار دولار) لتسديد الفوائد على الدَين.
وبين عامي 1993 و2017 ارتفع عدد المقترضين من 34 ألفاً إلى مليون و27 ألف مقترض، وباتت الأسر مديونة مباشرة (قروض سكنية وشخصية) بنحو 21 مليار دولار، أي ما يوازي نصف دخلها المتاح للاستهلاك. وتُدرّ هذه القروض الشخصية أكثر من مليار دولار سنوياً للمصارف، وتُقتطع من دخل الأسر بالإضافة إلى الاقتطاع عبر الضرائب والأسعار.