أقرّ مجلس النواب، في الجلسة التشريعية التي عُقدت في الثاني من الشهر الجاري، اقتراح قانون يرمي إلى ترقية مفتشين في المديرية العامة للأمن العام من حملة الإجازة اللبنانية في الحقوق إلى رتبة ملازم. وبذلك، صار الاقتراح قانوناً، ينتظر توقيع رئيس الجمهورية ميشال سليمان لتصديقه، حتى يتحوّل 18 مفتّشاً إلى ضباط برتبة نقيب بقدرة قادر. أو بالأحرى بقدرة سياسيين باتوا يدسّون أنوفهم في أمور إدارية من دون وجه حق، على نحو تكاد معه الترقيات تُدرج عُرفاً في مهمات مجلس النواب. «أنوف» النواب «الخدومين» عكست الآية داخل المديرية بين ليلة وضحاها، فبعدما كان «الضباط الجدد» يؤدون التحية العسكرية للضباط والرتب الأعلى منهم، باتت التحية تؤدى لهم، ليس من زملائهم في الرتب الأدنى وحسب، بل ممن كان «الجدد» يأتمرون بإمرتهم طوال ردح من الزمن.تعود القصة إلى عام 2002 عندما أعلن جهاز الأمن العام إجراء «مباراة» لتطويع أربعين ضابطاً من حملة الإجازة اللبنانية في الحقوق. الدورة كانت مفتوحة أمام مرشحين من داخل سلك جهاز الأمن العام وخارجه، وكما تجري العادة، تقدم المئات بطلبات ترشيح للمشاركة في المباراة. انتهت المهلة المخصصة للتقديم وأُُنجزت الاختبارات بعد تصحيحها، فاختير المرشحون الأربعون الأوائل، الذين حازوا أكبر قدر من مجموع العلامات، بحسب ما أُُعلن حينها، لكن الدورة لم تنته بإعلان النتائج، فقد رأى 18رتيباً من بين المتقدمين لدورة الضباط أن النتيجة كانت مجحفة بحقهم. واعتبر هؤلاء أنهم تخطوا الاختبار، بمجرّد نيلهم معدل خمسين من أصل مئة. واستناداً إلى ذلك، استنتج الـ 18 مفتشاً أن لهم أحقية في تعليق رتبة ملازم. فهم تخطوا الاختبار بنجاح، وبناءً عليه، فإنّ حقهم المكتسب يُحتّم على المديرية العامة للأمن العام أن تقبلهم في الرتبة التي تقدموا إليها، حتى يكرَّسوا في خانة الضباط بدلاً من الرتباء. وهنا كان مربط الفرس، إذ قصد هؤلاء، لانتزاع «حقهم»، نوّاب مناطقهم وأقنعوهم باقتراح قانون لإمرار قضيتهم، علماً أن ظاهرة ما يُسمى «لوبيينغ السياسيين» باتت رائجة على نحو كبير، بحسب توصيف أحد كبار الضباط، الذي استنكر ما سمّاه «اللوبي»، قائلاً: «كل ما دق الكوز بالجرة، يتنطح نواب في المجلس النيابي لإنجاز ترقية الضباط»، مذكّراً بأن «الترقية شأن تنفيذي داخلي في مؤسسة الأمن العام وغيرها من المؤسسات الأمنية». وفي ما يتعلق بالنزاع القائم، لفت الضابط إلى أن «هذا الأمر شأن تنظيمي تفصيلي يُفترض أن يبقى بين قيادة الأمن العام والقضاء المتمثل بمجلس شورى الدولة». وبناءً على حكم القضاء، «تُنفِّذ المديرية من دون التدخّل الناشز للنوّاب الذين تقدموا باقتراح قانون لم يكونوا على دراية بمضمونه، بل من باب العلاقة الشخصية أو الخدماتية، حالهم كحال زملائهم الذين مرروا الاقتراح بالتصويت عليه».
وسبق أن أجرى المفتشون الـ 18 مراجعة للملف أمام مجلس شورى الدولة لنيل الترقية، مستغلّين ثغرة «قانونية». فقد رأوا فيها أنهم خضعوا لامتحان لا لمباراة، وبالتالي فإن كل من يجتاز الامتحان يُعد ناجحاً ويحق له نيل الرتبة، بعكس ما قد تعنيه كلمة مباراة، التي تعني اختيار من حلّوا في المراتب الأولى بين الناجحين. ورغم أن مجلس شورى الدولة لم يحكم، بعد تسع سنوات من المراجعة، بأحقيتهم في تعليق رتبة ملازم، أعطاهم مجلس النواب الأحقية مع مفعول رجعي.
ومن شأن التدخل السياسي أن يُحدث خللاً في التراتبية داخل صفوف الضباط، إضافة الى أن وجود عشرات الأشخاص، المدنيين وغير المدنيين، ممن نالوا علامة 50/100 في تلك المباراة، يفتح الباب أمام هؤلاء للاعتراض مطالبين بمعاملتهم بالمثل.
وعلمت «الأخبار» أن ضباطاً في جهاز الأمن العام في صدد التقدم بطعن أمام مجلس شورى الدولة لإعادة النظر في القانون، ولا سيما أنه لا يتوافق مع أبسط قواعد المساواة بين زملاء المهنة الواحدة. وإذ أكد مسؤول أمني في المديرية لـ «الأخبار» أن المشكلة القائمة وتبعاتها أحدثت «خربطة» على أكثر من صعيد، رأى أن إقرار هذا الاقتراح كان من دون مبرر، لافتاً إلى أن أصحاب العلاقة التجأوا إلى الجهات السياسية المحسوبين عليها للاحتماء بانتظار أن يُحسم الأمر، علماً أن مصادر متابعة للقضية أكّدت أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان لن يوقّع اقتراح القانون الذي يملك صلاحية رده إلى مجلس النواب.



لقطة

بعيداً عن مسألة ترقية المفتشين الثمانية عشر بموجب اقتراح قانون أُقرّ في مجلس النواب، هناك قضية أخرى تعمل المديرية العامة للأمن العام على حلّ ملابساتها، وهي تتعلق بترقية نحو 120 مفتشاً في الأمن العام نالوا الترقية، لكنهم لم يعلّقوا رتبهم. وفي هذا الخصوص، يتردد أن عدداً كبيراً من هؤلاء محالون على مجلس التأديب في قضايا فساد، بعدما ثبت من خلال «الأطر التأديبية في الأمن العام» تورطهم في هذه المسائل. وبحسب مسؤول أمني في المديرية، فإن ذلك يؤخر ترقيتهم. وفي هذا الصدد، علمت «الأخبار» أن هؤلاء سيخضعون لدورة تدريبية تأهيلية لمدة سنة، وفي ختامها يخضع هؤلاء لاختبار، ومن يجتَز الامتحان ينَل ترقيته عن جدارة.




المديرية متمسكة بالمخالفة

يسود امتعاض في أوساط مجلس النواب من أداء المديرية العامة للأمن العام، على خلفية قرار امتناع المديرية من تنفيذ قرار المجلس القاضي بترقية المفتشين في الأمن العام. وفي هذا الإطار، يوضح أحد النواب سبب الامتعاض بالقول: «إذا كانت ترقية هؤلاء إلى رتبة نقيب ستحدث خللاً في التراتبية، وهذه هي الحجة المقدمة، فلماذا لم يحترم القانون في الأساس». أما عن شكوى المديرية بشأن تدخل مجلس النواب في شأن إداري داخلي، فيرد نائب آخر بأنه «لولا مخالفة القانون وإلحاق الظلم بالمفتشين، لما حصل التدخل، فدور السلطة التشريعية هو الرقابة على حسن تنفيذ القانون، علماً أن المديرية اجرت عدّة دورات لاحقاً لقبول متطوعين جدد، من دون قبول أي من المفتشين المعنيين، وهم الأحق بذلك».