برغم الأهمية التي تكتسيها زراعة دوّار الشمس في معظم الدول، لا «يكترث» لبنان لهذا الأمر. فمنتجات دوار الشمس التي يستهلك منها اللبنانيون آلاف الأطنان سنوياً، منها العلف الحيواني والزيوت النباتية والمكسرات (7 أطنان)، لا تزال تأتينا من الخارج. ربما، لم تع الدولة بعد «قضية» دعم هذا المنتج، رغم أن الوعود بذلك الدعم تعود إلى مطلع ستينيات القرن الماضي. آنذات، وُعِد المزارعون في البقاع الشمالي بتخصيص ميزانية لشراء المحصول بأسعار تشجيعية. وبعد نجاح التجربة بنسبة عالية، لم تف الدولة بوعودها، فأحجم المزارعون بعد ذلك عن تكرار التجربة، فساهم هذا الأمر في عودتهم إلى زراعة النباتات المخدرة.
واليوم، يمكن الجزم بأن هذه الزراعة دخلت في مرحلة الضمور الفعلية، حتى إن المؤشرات الواقعية تنذر باختفاء الزراعة بصورة نهائية في السنوات المقبلة. وتكفي جولة بسيطة في سهل البقاع لتبرز تلك الحقيقة، فما يزرع من نبتة دوار الشمس لا يتعدى بضع شتلات تتوزّع على شكل أثلام في الحدائق الصغيرة أمام المنازل، وأعداد مماثلة تنتشر حول المزروعات الأخرى في الحقول المروية. ومن يواظبون على زراعته هم «المبهورون بمنظر الزريعة الجميل، كما أننا نتسلى بها في السهرات بعد قطفها وتجفيفها»، يقول المزارع أحمد كرمة. لكن، في مقابل ذلك، لن يتردد كرمة في زراعة «ميال الشمس» على كامل مساحة أرضه «فيما لو تم تأمين أسواق لتصريف الإنتاج، لأن هذه الزراعة مقاومة للأمراض ولا تحتاج إلى مبيدات وأدوية زراعيّة، وهي غير مكلفة نسبياً، إذ يكفي ريها بالمياه «عدّان»، واحد كل أسبوعين، لمساعدة شتولها على النمو، والحصول على تيجان كبيرة الحجم وبذور عالية الجودة». من جهته، يقول المهندس الزراعي الياس العلم إن هذه الزراعة هي «تصنيعية بالدرجة الأولى وتهدف الى استخراج الزيت وتأمين مادة علفيّة تتمثل بكسبة دوار الشمس». أما الجدوى الاقتصادية منها فتتطلب «تجهيزاً مسبقاً للأرض من قبل المزارع، بطريقة تتناسب مع زراعة هذا المنتج، وتجهيز الآلات أيضاً، ومنها الحاصدات المصممة خصيصاً لهذه الغاية». لكن، ما يحصل اليوم هو أن هذه «المساحات المجهزة غير متوفرة والآلات أيضاً، ما يجعل مقومات زراعة هذا المحصول غير مكتملة، هذا إذا استثنينا عملية التصنيع، حيث لا يوجد في لبنان حالياً مصنع لاستخراج الزيت»، يكمل. وبسبب كل هذا، «من الصعوبة بمكان تصدير الإنتاج ليتم تصنيعه في بلد ثان».
أما بالنسبة الى زراعة هذا الصنف، فيوضح العلم أن دوار الشمس يتأقلم مع «الظروف المناخية ونوع التربة في البقاع». ويشير إلى أنه عمد في عام 1989 الى إجراء حقل اختباري على عدد من الأصناف الهجينة الأوروبية المنشأ في منطقة غزة البقاعية، وأن «النتائج كانت مشجعة جداً لناحية تأقلم هذه الأصناف مع واقع الظروف المناخية في تلك المنطقة، وقد أتت الإنتاجية مشابهة لتلك التي يحصل عليها المزارع في أوروبا من الصنف ذاته». لكن، المقومات التي تم ذكرها آنفاً، لم تسمح بالمضي قدماً في اعتماد هذه الزراعة كبديل، من ضمن الزراعات المقترحة للتداول في لبنان.
ويجمع الاختصاصيون في مجالات الزراعة والصناعة والاقتصاد، على أن هذة الزراعة تدخل في صلب الأمن الغذائي للدول، وأن اعتمادها وتطويرها في لبنان يتطلبان الانطلاق من نقطة الصفر من خلال وضع خطة متكاملة تتبناها الدولة، بدءاً من تشجيع المزارعين على اعتمادها، نظراً لانعدام كلفة إنتاجها نسبياً، وإيجاد السبل المناسبة لتصريف محصولها محلياً وإلى الخارج تالياً، أو العمل على إنشاء معامل لتصنيع إنتاجها بهدف الوصول الى الحدّ الأدنى من الاكتفاء الذاتي من بذورها وزيوتها النباتيّة. ويتميز دوار الشمس بأزهاره الكبيرة الشعاعيّة الشكل، لأنها تدور مع أشعة الشمس من الشروق حتى المغيب، ولذلك أطلق عليها تسميات عدة، من بينها: زهرة الشمس وعباد الشمس وتبّاع الشمس، وتعرف في لبنان بميّال الشمس. وتحتوي بذورها على الزيوت النباتيّة والأحماض الدهنية الأساسية، معظمها دهون غير مشبعة وفيتامين «e» ومواد الفولات والماغنيزيوم والزنك والحديد والفوسفور والنحاس. ويجمع خبراء التغذية على أن زيت دوار الشمس يقلل من الأزمات القلبية وارتفاع ضغط الدم، وأن تناوله بانتظام يعالج أمراض السكري والتهاب المفاصل والسرطان، ويمنع تساقط الشعر وتصلب الشرايين والأكزيما، ويساعد على تقوية اللثة وعدم تعرّض الأسنان للتسوس. وتدخل بذوره أيضاً في الطهي وصناعة المكسرات، كما تستخدم طعاماً للطيور.