قبل نحو ثلاثة عقود، سُئل رئيس مجلس القضاء الأعلى في فرنسا كيف سيردّ الجميل لمن عيّنه في منصبه، فأجاب: «عند أول طلب يطلبه مني، سأقول لا». يحلو لنقيب المحامين في بيروت، نهاد جبر، أن يستذكر هذه الحادثة في معرض إبداء «أسفه» للواقع الذي يعيشه القضاء في لبنان. بالنسبة إلى جبر، الذي مضى على توليه منصبه قرابة 4 أشهر، «بتنا نشك في وجود نية لدى كل المسؤولين لشل القضاء برمته». لا يفهم النقيب كيف تبقى السلطة القضائية بلا رأس لأكثر من 15 شهراً، وإلى اليوم ليس ما يشير إلى قرب تعيين رئيس لمجلس القضاء الأعلى.
يضيف: «لا يزال الصراع بين السياسيين مستمراً، وللأسف بلغ تعاطي المسؤولين مع هذا الملف إعلامياً مستوى غير مسبوق. هذا أمر معيب جداً».
يلفت جبر إلى أنه أصدر، منذ 4 أشهر، أكثر من بيان تحذيري بشأن التعيينات القضائية، من دون جدوى. فبعد ثلاثة أشهر تنتهي ولاية مجلس القضاء الأعلى الحالي، وفي حال عدم تعيين رئيس للمجلس وإجراء تشكيلات قضائية، «سيصبح لبنان بلا قضاء». بمعنى آخر، تفصلنا ثلاثة أشهر فقط عن «تبخر السلطة القضائية».
يعقد جبر اليوم مؤتمراً صحافياً، ومعه زميله نقيب المحامين في الشمال بسام الداية، ليعلنا اتخاذ «موقف مناسب». هذا الموقف سيبدأ بتعليق حضور المحامين في قصور العدل مؤقتاً، ما يعني تعطيلاً لجلسات المحاكمة، وقد يتطور إلى تعليق الحضور حتى إشعار آخر، إضافة إلى «خطوات تصعيدية في حال عدم التجاوب». النقيب الـ 48 في تاريخ نقابة بيروت، لا يجد سبيلاً لمنع السياسيين من التدخل في القضاء، ولذلك «على القاضي اللبناني أن يكون محصناً في ذاته، ففي تاريخنا قضاة كانوا يقولون لا... السياسي يريد مصلحته، والرهان يبقى على القضاة أنفسهم».
ماذا عن نظرة نقابة المحامين إلى عمل المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ يبتسم جبر قبل أن يجيب: «النقابة تلتزم مبدأ النأي بالنفس». قد يكون للنقيب رأي خاص، لكن بما أن مجلس النقابة مؤلف من أعضاء من مختلف التوجهات السياسية، «لا بد من النأي بالنفس». بدا جبر مبهوراً بـ«التقنية العالية» المعتمدة في إجراءات المحاكمة لدى المحكمة الدولية، بعد زيارة قام بها لهولندا وجال فيها على عدد من المحاكم. يتمنى لو كان لدى لبنان مثل تلك الإجراءات، ولكن «للأسف، بعد بدنا كتير». طبعاً، كأي مواطن يحب «السيادة»، كان جبر يفضل لو كان لبنان بأحسن أحواله، فعندها «كنا سنقول جميعاً ما من داعٍ لوجود محكمة دولية». النقيب لا يجد «عيباً» في القضاة اللبنانيين، ويرفض ما يحكى عن «أهلية قضاتنا في التحقيق» بقضية الحريري. لكن سبب إنشاء المحكمة «كان عدم حيازة الضابطة العدلية في لبنان إمكانات التقصي والبحث في الجريمة». وفي سياق متصل، يرفض أن تكون النقابة مسؤولة عن المحامين اللبنانيين، الذين يعملون مع مكتب الدفاع لدى المحكمة الدولية؛ لأنهم هناك «بصفتهم الشخصية».
في شأن نقابي آخر، أثيرت قبل وصول جبر إلى سدة النقابة قضية منع المحامين من التصريح الإعلامي، من دون إذن مسبق، لكن النقيب الجديد أراد أن يكون أول قرار له هو: «السماح للمحامين بالتصريح لأي وسيلة إعلامية، في مختلف المواضيع، باستثناء الدخول في تفاصيل ملف عالق أمام القضاء وهو وكيل فيه». ولكي لا يلتبس الأمر على أحد، لفت إلى أن التصريحات «تكون على مسؤولية المحامي الشخصية، بمعنى أن الحصانة ترفع عنه في حال حصول قدح وذم وما شاكل».