يتحوّل خوف الأهل على أولادهم أحياناً إلى رقابة تضيق الخناق عليهم حتى بعد بلوغهم سن الرشد. فيراقب الأهل أبناءهم ويرافقوهم، ولو عن بعد، في حياتهم اليومية. أما الأعذار فتتنوّع بين الخوف عليهم أو تجنب «كلام الناس». أما العذر الأكثر شهرة فهو «نحنا منعرف اكتر منك»
ديما شريف
تبحث ليلى حالياً عن عريس. لا تنسى الفتاة في كلّ المناسبات الطلب إلى جميع صديقاتها نشر مميزاتها التي ستوقع أياً كان، كما تؤكد. لا تهتم بمواصفات العريس العتيد، فهي تريد أن تترك منزل أهلها فقط، لتتخلص من رقابتهم المشددة عليها. مشكلة ليلى الرئيسية هي تربّص أهلها بها، ومراقبة كل تحرّكاتها، كما تقول. وتذمّر ليلى من هذه الرقابة نابع من كونها تعتبر نفسها راشدة لا يلزمها «الانتباه لك ولمصلحتك» كما يبرر أهلها رقابتهم. فالفتاة تبلغ السابعة والعشرين من عمرها، وتملك عيادتها الخاصة بطب الأسنان. لم تكن ليلى تمانع «الاهتمام الزائد» الذي يبديه أهلها تجاهها عندما كانت في فترات المراهقة، إذ كانت تحس بتميّز عن صديقاتها. بدأ التذمر من جانب ليلى عندما بدأت دراستها الجامعية. لم يمانع أهلها في اختيارها تخصص طب الأسنان، بل أصرّ والدها عليه رغم عدم وجود جامعة تدرّسه في المدينة التي تعيش فيها... وكان الحل بأن يقوم والدها أو شقيقها الأكبر بإيصالها يومياً إلى الجامعة، التي تبعد ساعة ونصف ساعة عن بيتها!
«اعتقدت أنّه بعد فترة سيقبلون بأن أسكن قرب الكلية، لكن العذر كان دائماً خوفهم من تعرضي لحادث ما» تتحسر الفتاة، التي تؤكد أنّها لم تعش الحياة الجامعية التي خاضتها صديقاتها. أما اليوم، فالرقابة عليها لا تطاق كما تؤكد، إذ يمر أحد أفراد عائلتها ما يزيد عن خمس مرات في اليوم على عيادتها «للاطمئنان إلي كما يقولون، ألم يسمعوا باختراع التلفون؟» تقول بتذمر. وفي الوقت الذي لا يكون فيه أهلها موجودين في العيادة تقوم قريبتها التي تعمل مساعدة لها بمهمة «الاستطلاع والتقصّي». تقول ليلى إنّها سألت والدها مراراً عن سبب التضييق الكبير على تحركاتها، والإجابة الدائمة هي الخوف عليها من حالات الاعتداء والاغتصاب والتحرش. تؤمن ليلى أنّ الحل هو بزواجها لأنّ عدد من يقوم بالرقابة سينخفض إلى واحد بدل أربعة كما هي حالها الآن.
لو كانت ميرنا تعرف ليلى لنصحتها بعدم اتخاذ الخطوة: الخطوبة والارتباط الرسمي. إذ إنّ الموظفة في شركة التأمين لم تكن تتخيل أن تتحول حياتها إلى «جحيم الرقابة» بعد خطبتها. فهي كانت تعتقد أنّها ستتخلص من مرافقها الدائم، أي والدها، بعد خطوبتها. «لم يتغيّر شيء، بل زادت رقابته» تؤكد ابنة التاسعة والعشرين. إذ إن الرقابة كانت تقتصر في السابق على إيصالها إلى العمل والاطمئنان إليها عبر الهاتف. أما اليوم، فهو يفاجئها بزيارات عدة في النهار، ويتصل دائماً بخطيبها ليعرف أين هو. أما الطامة الكبرى، فهي حين اكتشفت عن طريق الصدفة أنّه ينتظر أحياناً أمام مدخل المبنى الذي تعمل فيه «زيادة في الحرص على أمني الشخصي ربما» تقول ساخرة.
لا تقتصر الرقابة على الشابات بل تتعداها إلى الذكور أيضاً. فوالدة فادي مثلاً أقفلت عليه باب غرفته بالمفتاح لمنعه من الخروج من المنزل في أحد الأيام لحمايته من الأحداث الأمنية! أما أهل يوسف، الطالب الجامعي العشريني، فلا يسمحون له بزيارة سوى الأصدقاء الذين يعرفون عنهم كل شيء. «من هو، من أهله، أين يسكن ومتى ستعود؟ هي الأسئلة الأكثر ترداداً في منزلي» يؤكد يوسف. ولا تتردد والدته في الاتصال بصديقه للتأكد من وجوده عنده، وإذا تأخر لدقائق عن موعد العودة إلى المنزل. فالحل كان أحياناً بأن يزيل رقم الصديق عن هاتف والدته المحمول قبل خروجه من المنزل.


رقابة عن بعد

تعيش فرح وحيدة في العاصمة بيروت لدواعي الدراسة. ولتخطي عقبة بعدها الجغرافي عنهم ومراقبتها مراقبة حثيثة اخترع أهلها وسيلة بسيطة. فهم «ضربوا صحبة» صاحب المبنى الذي تسكن فيه. ويتصلون به ليلياً للتأكد من أنّها تلتزم بحظر التجوال الذي ينتهي في التاسعة مساءً.
أما مارلين، التي تعمل في إحدى الجمعيات وتضطر أحياناً إلى السفر لحضور مؤتمرات، فيأخذ والدها رقم الفندق التي ستنزل فيه ويتصل بها بنفسه ليلياً للتأكد من أنّها «بخير»، حتى إنّه يبقى ساهراً لتعويض الفرق في التوقيت. وأكثر حادثة مزعجة ومحرجة في حياتها كانت حين لحقها والداها إلى زحلة، حيث كانت تشارك في ورشة عمل، واستأجرا غرفة في الفندق نفسه «للابتعاد عن جو المدينة الخانق» كما برّرا لها.