«لا يزال التعذيب والمعاملة السيئة مشكلة جسيمة داخل مراكز الاحتجاز اللبنانية» أكّدت أمس منظمات حقوق الإنسان، وأضافت «لا يكفي توقيع اتفاقيات مكافحة التعذيب، بل على الحكومة أن تلتزم بها أيضاً». ثماني منظمات محلية ودولية تعنى بحقوق الإنسان، هي مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب ومنظمة «هيومن رايتس ووتش» والمركز الحقوقي لقضايا الشأن العام والجمعية اللبنانية للتعليم والتدريب والمركز اللبناني لحقوق الإنسان وجمعية «روّاد» واﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ ﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن وجمعية «الكرامة»، دعت الحكومة إلى اتخاذ خطوات ملموسة وعلنية من أجل التصدي للتعذيب في مراكز الاحتجاز.وكان لبنان قد صادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في عام 2000، لكنه لم يقدم حتى اليوم تقريره عن الإجراءات المُتخذة للالتزام بالاتفاقية، متأخراً بذلك سبع سنوات عن الموعد الذي كان مفروضاً عليه تسليمه في 4 تشرين الثاني 2001.
وإضافة إلى التقرير الأولي، تفرض الاتفاقية على الدول الأطراف أن تقدم تقارير إضافية كل أربع سنوات من أجل تقييم التقدم المُحرز على صعيد تنفيذ الاتفاقية. إلا أن لبنان لم يُسلّم أي تقارير.
جمعت منظمات حقوق الإنسان على مدار العامين المنصرمين شهادات من محتجزين عديدين «زعموا أن عناصر أمنية ضربوهم وعذبوهم في وحدة الاستخبارات العسكرية في وزارة الدفاع، وفي فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وفي مراكز احتجاز مكتب مكافحة المخدرات في بيروت وزحلة، وكذلك في بعض مراكز الشرطة». وتزايد عدد تقارير الزعم بالتعذيب بشكل ملحوظ أثناء معارك نهر البارد عام 2007، مع «إخبار أكثر من 200 شخص منظمات حقوق الإنسان أن عناصر من الجيش ضربوهم وعذبوهم». وأضافت المنظمات الحقوقية أنه «رغم عدد مزاعم التعذيب الكبير، نادراً ما يحقق القضاء في هذه المزاعم، ولا تزال المحاسبة جراء ارتكاب التعذيب أثناء احتجاز الأفراد شبه مستحيلة. وقد قامت الحكومة ببعض الخطوات الإيجابية، كتدريب ضباط الشرطة وحرس السجون على قضايا حقوق الإنسان، وكذلك إعطاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر الحق في الولوج إلى كل مراكز الاحتجاز. إلا أنها فشلت في معالجة القضايا الأوسع المتمثلة في غياب التحقيق والإفلات من العقاب جراء الانتهاكات التي تُرتكب بحق المحتجزين».

قانون العقوبات هو الحلّ؟

تنص المادة 401 من قانون العقوبات على «من سام شخصاً ضروباً من الشدة لا يجيزها القانون، رغبة منه في الحصول على إقرار عن جريمة أو على معلومات بشأنها عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات»، إنما يكاد يغيب أي تطبيق لهذه المادة. وقالت المنظمات الحقوقية إنه رغم مزاعم التعذيب الكثيرة، فهي لم تسمع إلا بقضية واحدة فقط خلال العامين الماضيين «أُدين فيها ضابط شرطة باتهامات تتعلق بضرب مشتبه فيه أثناء استجوابه»، ومع ذلك حصل الضابط على حكم مخفف بالسجن 15 يوماً، وغرامة 200 دولار أميركي.
المادة 401 من قانون العقوبات لا تفي بالتزامات لبنان بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب؛ بما أنها لا تنطبق على ضروب التعذيب غير البدني، كالتعذيب النفسي أو الذهني، ولا تغطي الحالات التي يُستخدم فيها التعذيب لأغراض غير انتزاع الاعترافات. كما أن العقوبة الواردة في المادة ـــ السجن ثلاث سنوات حداً أقصى ـــ لا تعكس جسامة جريمة التعذيب كما أُقرّت دولياً.

توصيات الجمعيات الحقوقية

أوصت المنظمات الحقوقية الحكومة بأن تقدّم على وجه السرعة، التقرير الأولي إلى لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة. وإعداد خطة وطنية تضمن حظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة بشكل كامل.
وأوصت القضاء بأن يحقّق في قضايا المعاملة السيئة والتعذيب. وأن يرفض كل الأدلة والاعترافات التي تنتزع بالإكراه.
أما بما يخصّ المجلس التشريعي فطالبته بتعديل المادة 401 من قانون العقوبات بحيث تشمل تجريم جميع ضروب التعذيب، وليس فقط العنف البدني، بغض النظر عن الهدف من التعذيب، وتشديد العقاب على جريمة التعذيب لأكثر من السجن ثلاث سنوات.
(الأخبار)