غادة نجارفي كتابه «مدخل إلى علم اجتماع العلوم» يحاول ميشال دوبوا، الباحث في المركز القومي الفرنسي للبحوث العلمية والأستاذ في جامعة باريس 10، أن يقدّم إلى القارئ المتخصص وغير المتخصص على السواء عرضاً شاملاً للجوانب الدالة في علم اجتماع العلوم. وتأتي ترجمة الدكتور سعود المولى، أستاذ علم الاجتماع السياسي في معهد العلوم في الجامعة اللبنانية، لتسهّل على القارئ العربي هذا الكسب من حيث دقّتها ومنهجيتها. فالكتاب في الطبعة العربية صادر عن «المنظمة العربية للترجمة».
وعلم اجتماع العلوم فرع فتيّ تعود ولادته إلى نحو أربعين سنة فقط، ولكنه أيضاً فرع شديد الدينامكية. هذه الحركة التطورية لم تسر في اتجاه واحد بسبب طبيعة التحديات التي يواجهها هذا الفرع من العلوم، والناتجة من غياب القاعدة المنهجية والنظرية الموحدة للباحثين في إطاره، لكن علم اجتماع العلوم في العقدين الأخيرين، إلى جانب تاريخ العلوم وفلسفتها، في إغناء معرفة المتابعين والاختصاصيين بشروط اشتغال التجربة العلمية. لقد أوجد هذا العلم الجديد أسلوباً فعّالاً يهدف إلى تحليل أشكال الاتصال والتواصل بين العلماء والباحثين، وتحليل دور المعايير والقواعد المهنية، وكيفية إعداد المقالات العلمية وحتى مسار إجراء اختبار علمي داخل المختبرات. كما درس علماء اجتماع العلوم الآليات الاجتماعية والمعرفية التي تملك الأثر الأكبر في بلورة الابتكارات العلمية وفي تعميمها. يحوي كتاب «مدخل إلى علم اجتماع العلوم» خمسة فصول، يعرّفها الكاتب على أنها موجزة. يقترح المؤلف في الفصل الأول تصوّراً للديناميكية الاجتماعية لعلم اجتماع العلوم، وطرح الكتاب مقاربات سوسيولوجية للعلوم من حيث الأصول والمنظورات والمجادلات، مما يسمح للقارئ بتكوين فكرة عن السوابق التاريخية لعلم اجتماع العلوم وطبيعة برنامج البحث الذي صاغه، وتنوع المقاربات السوسيولوجية الذي أحدثه أوائل السبيعينيات من القرن الماضي، يمكن هذا الفصل أن يكون بمعزل عن بقية الفصول، إذ يقتصر دوره على تقديم رؤية عامة شاملة عن فرع علم اجتماع العلوم. أما الفصول الأربعة الباقية فتركّز على مقاربة عرضانية Transversale عبر دراسة عدد معيّن من المباحث الكبرى Grands themes، وذلك بهدف مواجهة المقاربات التي تنبع من أيديولوجيات مختلفة ومقارنتها. إن الفصول الأخرى (الثاني والثالث والرابع) تهدف إلى إلقاء الضوء على الطريقة التي يعتمدها علماء الاجتماع، بغض النظر عن مدارسهم وعن المرحلة التي حققوا خلالها أبحاثهم، من أجل تطوير تحليل جمعي عن جملة من المسائل. وقد تناول الفصل الثاني موضوع «المنظورات السوسيولوجية حول أسس الجماعة العلمية»، فقدّم الكاتب فيه ثلاث مقاربات عن المبادئ المؤسّسة للجماعة العلمية. وتضمّن الفصل الثالث بحث «التراتب، التنظيم الاجتماعي للعمل، الشبكة»، حيث حلل دوبوا «التصوّرات الفارقة بشأن مصادر الجماعة العلمية على تمثّل الأشكال التنظيمية» التي تميّز البحث العلمي.
الفصل الرابع بعنوان «حول مفهوم الاصطلاح»، وفيه يدرس الكاتب التضمينات الابيستمولوجية، أي المعرفية لعلم اجتماع العلوم. أما الفصل الخامس أو «الخيارات والنظريات والاستدلالات العلمية» فيقدّم التحليلات السوسيولوجية المكرّسة للأبعاد الابيستمولوجية المعرفية، وتحديداً العلوم، حيث ينوّع بين الأعمال التي تتناول اختبار المسائل العلمية وتلك التي تنظر في محتوى النظريات العلمية، والاستدلالات العلمية. يؤكد المؤلف في تقديمه لكتابه أنه بفضل علم اجتماع العلوم صرنا نعرف اليوم عن موضوع تنوّع العوامل المؤثرة في ولادة حقل علمي ما، أكثر مما كنا نعرف قبل أربعين عاماً.