البقاع ـ أسامة القادريتقطع سحر يوميّاً مسافة 40 كلم من قريتها سحمر، في البقاع الغربي، إلى مكان عملها في أحد المحال التجاريّة في منطقة شتوره. وعلى الرغم من المسافة الطويلة التي يستغرق اجتيازها حوالى 45 دقيقة في الذهاب و45 أخرى للعودة، إلّا أنّ الشابّة لم تنزعج يوماً من الوقت الضائع الذي تصرفه على الطرقات، بقدر الانزعاج من «المرمطة» في سيّارات الأجرة والكلفة الشهرية التي تقتطعها من راتبها للمواصلات. تدفع سحر 180 ألفاً للمواصلات من راتبها الذي لا يتعدّى في مجمله الحدّ الأدنى للأجور، حيث يبلغ مع «الزيادات» 400 ألف ليرة لبنانيّة. لم تكن سحر لتدفع هذا المبلغ، لو أنّ وسائل النقل العام لم «تنقرض» من منطقتها منذ سنتين، بعدما فشلت الدولة في تعميم التجربة على مناطق البقاع النائية، أو لو أنّ وسائل النقل الخاصّة تكثّف نشاطها أكثر.
ومشكلة النقل مزمنة في البقاع، وهي تطال بضررها الكثير من المواطنين في المناطق النائية، وخصوصاً بلدات البقاع الغربي. بدأت الأزمة فعلياً منذ ما يقارب سنتين، بعدما توقّفت وسائل النقل العام نهائياً عن التجوال في تلك البلدات، واقتصرت المواصلات فيها على وسائل النقل الخاص. ولكن هذه الوسائل قلّصت جولاتها بسبب غلاء أسعار المحروقات، ليقتصر عملها على جولتين فقط، واحدة عند السادسة صباحاً وأخرى عند الثانية ظهراً، وهو ما يتناسب فقط مع دوامات موظّفي الدولة. وقد تعمد هذه الوسائل في بعض الأوقات إلى حصر نشاطها بالسادسة صباحاً فقط، حيث تقلّ زبائن باتوا محدّدين، وينعدم وجودها في «بحر النهار». أمّا موظّفو القطاعات الخاصّة والطلاب، فليس أمامهم سوى الاختيار بين «الأوتوستوب» أو «المرمطة» في سيارات الأجرة ودفع نصف الراتب، كما يحصل مع سحر يومياً. لا تختلف يوميات حسين عما تعانيه سحر، فهو يضطر إلى اقتطاع 140 ألفاً في الشهر من راتبه البالغ 450 ألفاً ليدفع أجرة الوصول إلى عمله. ويشير حسين إلى «أنني أضطر يومياً إلى الذهاب بسرفيس إلى مكان عملي في شتوره، لأنّني لا أستفيد أبداً من باصات النقل الخاص، التي لا تمرّ سوى مرّة واحدة لا تلائم موعد خروجي». يتمنى حسين «عودة باص الدولة، لعلّه يخفف عنه ثقل أجرة النقليات»، يتابع متأفّفاً «بس الدولة اللي بدها اياه منا بتاخذو بالقوة واللي بدنا اياه نحنا منها بتتهرب كأنو ما إلها علاقة». أما راشد الأحمد، وهو موظف رسمي في الجامعة اللبنانية، فيتأفّف من توقّف وسائل النقل العام ومن مزاجيّة النقل الخاص. ويشرح الفارق بين تعرفة النقل العام والآخر الخاص، حيث «كنت أدفع في العام 500 ليرة، أما اليوم أدفع 1500 ليرة في الخاص بسبب غلاء المازوت». لكن هذه الـ1500 ليست ثابتة، حيث تتغيّر التعرفة تبعاً لمزاجيّة شركات النقل الخاص. إذ تعمد هذه الشركات إلى تبديل التعرفة أو تغييرها من منطقة إلى أخرى، بحسب ما تجده مناسباً لها، ما يحتّم على الراكبين المنتظرين الالتزام بهذه المزاجية.. أو الذهاب سيراً على الأقدام.


خطّ سير الباصات

بعد «انقراض» باصات النقل العام أو «باصات الدولة»، كما يسمّيها أبناء المنطقة هنا، خلت الساحة للباصات الخاصّة. هذه الأخيرة ينحصر عملها في البقاع الغربي، فيما هي غائبة بالكامل عن البقاع الأوسط، من دون أن يعرف لذلك أية أسباب. أمّا سير هذه الباصات في «الغربي» فيقتصر على خطّين: الأوّل ينطلق من طريق القرعون باتجاه جب جنين، مروراً بغزة وحوش الحريمة والمرج. أمّا الثاني، فينطلق من سحمر ومشغرة، مروراً بعيتنيت وصغبين وخربة قنافار وقب الياس. وما عدا ذلك، لا شيء، حيث تخلو بلدات كثيرة هناك من الباصات، فيعمد أبناؤها إلى الاستعانة بالسيارات الخاصّة للوصول إلى إحدى المحطّات التي قد يمرّ فيها الباص.