عمر نشّابةيتولّى مستشار أمني سابق في العراق سلطة الوصاية القضائية على لبنان مطلع شهر آذار المقبل. نيك كالداس، المحقق الرئيسي في مكتب المدعي العام الدولي، كان قد أسهم في بناء وحدات «الشرطة العراقية» وتدريبها في ظلّ الاحتلال، بعد عام من الاجتياح الأميركي لبلد عربي شقيق. القاضي الكندي دانيال بلمار لا يرى في كالداس إلا كفاءته التقنية التي يحتاج إليها مكتب الادعاء العام لاستكمال التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري: يتقن اللغة العربية، ويدرك الخصوصيات الثقافية المشرقية، ولديه خبرة طويلة في التحقيقات الجنائية. وهو ضليع في ملف التفجيرات الانتحارية الإرهابية المصنّفة جهاديةً إسلاميّةً، ولديه معرفة تبدو دقيقة في منهجية تواصل الشبكات الأصولية.
لكن ما لا يدركه بلمار هو البعد الرمزي لتجربة كالداس في العراق المحتلّ عام 2004 في أقرب تقدير، والبعد التآمري لذلك في أبعد تقدير. ربما لم يتذكّر القاضي الكندي المعروف بنزاهته واحترافه وإخلاصه لمبادئ العدالة أن العراق تعرّض لهجوم عسكري بدون موافقة مجلس الأمن الدولي، وهو المجلس نفسه الذي أنشأ المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. كالداس كان قد وصل إلى العراق بعد عام من الاجتياح، وتولى منصب مستشار أمني للشرطة العراقية. اختيار كالداس لهذه المهمة ربما جاء على أساس المعايير نفسها التي اعتمدها بلمار، غير أن نتائج مهامه في العراق خير دليل على جوانب أخرى من توجهه المهني الحقيقي. ولا حاجة لعرض الفشل الأمني للشرطة العراقية إلى جانب قوات الاحتلال، في حفظ الأمن والنظام في العراق. ولا داعي للتذكير بـ«فرق الموت» والعجز عن حماية المواطنين من الخطف والقتل والتفجير.
على كالداس ومن طلب منه تولّي وظيفة رئيس المحققين في المحكمة الخاصة للبنان أن يختارا بين ميزتين: إما أنه فاشل في إتمام مهام كلّف بها في العراق عام 2004، وفي هذه الحالة لا يُستبعد فشله في مهامه الحالية، وإما أن لمغامرة كالداس العراقية خصوصيات أخرى نجهلها، وفي هذه الحالة ليتهيّأ اللبنانيون لمفاجآت قد لا تخدم العدالة.