بينما يحبس الأهل أنفاسهم بانتظار لوائح طلبات أبنائهم من الهدايا، ويعدّون قائمة أخرى عليهم تبادلها مع الأحبّة، يحلم الأطفال في عالمهم الوردي بـ«بابا نويل» يهبط من مدخنة ما محمّلاً بالهدايا. هذا العام، تقلّصت اللوائح والقوائم، وتبدّل مفهوم الهدية، فالأزمة المالية الخانقة التي تعانيها الأسر المتوسطة الدخل أمام غلاء المعيشة دفعت بـ«بابا نويل» تلقائياً إلى «شدّ الحزام»
رنا حايك
«كان عمري 6 سنين لما اكتشفت إنو جوز عمتي هو بابا نويل، كرهته من يومها»، تقول فدوى حداد، التي لم تقتصر صدمتها على اكتشاف وهمية الشخصية التي كثيراً ما هدهدها انتظارها، بل أتت بمثابة ضربتين بحجر واحد. فحين يخطو الطفل خطوته إلى عالم الواقع، تبدأ مسؤولياته. وبعد البلوغ، لن يتخلّف بابا نويل عن موعده فحسب، بل سيكون على الطفل الذي كبر أن يأتي لأسرته بالهدايا بدل أن يكتفي بتلقّيها من دون أي وخز للضمير.
تبلغ فدوى اليوم الثامنة والعشرين من عمرها، تعمل في المجال الإعلامي براتب معقول، لا يبقى منه شيء مع حلول الثالث من كانون الثاني كل عام، حيث تقضي ميزانية هدايا الميلاد على نصفه تقريباً.
«عندي 9 أشخاص ما فيي ما جبلن هدايا، لإنهم بيجيبولي دايماً».
إلا أن فدوى وصلت إلى تسوية، لاحظت أنها لم تكن الوحيدة في ذلك. فالهدايا تتجه عاماً بعد عام إلى اتخاذ صيغة رمزية، و«الهدية الشمعة مثلاً صارت مسموحة، وبطّلت عيب»، فارتفاع الأسعار يجعل الهدية الثمينة شبه مستحيلة. تسوية تناسب فدوى، التي لا تزال تأمل أن «يطلع قانون يلغي هدايا الميلاد لمن تجاوز عمره 15. يبقى بابا نويل للصغار بس. أما الكبار، فيعيشون الميلاد كمناسبة دينية من دون هدايا».
تبدي زينة صوايا الملاحظة ذاتها بخصوص رمزية الهدايا. فقد لفتها هذا العام أن الهدية أصبحت «شخصية أكثر، قد تقتصر على رسالة في بعض الحالات».
تعِد زينة صوايا نفسها كل عام باختصار لائحة الأشخاص الذين ستهديهم، لكنها تفشل في القيام بذلك، ليظلّ عددهم حوالى 20 شخصاً تقريباً، وخصوصاً أنها تعمل في لندن، وتأتي إلى لبنان كل عام لتقضي الأعياد وسط عائلتها وأصحابها. لا تعجز زينة عن اختصار اللائحة فحسب، بل تضطر حتى إلى زيادتها عاماً بعد عام، مع «تحوّل المناسبة إلى مناسبة اجتماعية وليس فقط دينية» كما تقول. وتشرح أنه «أصبح من الواجب تقديم الهدايا إلى الزملاء في المكتب أيضاً، إضافةً إلى حفلات «سانتا السري» التي اعتاد الإنكليز القيام بها، والتي أدعى إليها».
وتعتمد حفلات «سانتا السري» الرائجة في الغرب على دعوة عدد من الناس لا يعرفون بعضهم بعضاً بالضرورة. يولّف صاحب الدعوة الأسماء فيحدد لكل مدعو، اسم المدعو الآخر الذي سيكون عليه أن يأتي له بهدية. عادةً شقّت طريقها إلى لبنان بعدما استنسختها بعض المؤسسات والشركات لتنظيم حفلات الميلاد لموظفيها، :»عأساس كان ناقصنا بعد ناس زيادة نشتريلهن هدايا!»، كما تعلّق زينة ضاحكة.
فالأعياد، التي كانت مناسبة للفرحة، أصبحت عبئاً مادياً يثقل كاهل الأسر، ويحاولون التخفيف منه قدر الإمكان، معتمدين وسائل عدة.
وجدت بيا عطا الله الحل بتحديد سقف موحّد لثمن كل هدية تشتريها لأبنائها ولأفراد الأسرة الآخرين وأطفالهم، فوصلت إلى ميزانية تقارب 1000$ لهدايا العيد، بينما عجزت عن إقناع ابنها البالغ 7 سنوات بتصديق «إنو ما فيه بابا نويل»، فهو لا يزال يغلق أذنيه كلما حاولت أخته التي تكبره بثلاث سنوات أن تقنعه بذلك.
وقد لاحظت بيا، بحكم عملها في أحد المجمعات التجارية الكبيرة، تراجع حركة المبيع خلال الأعياد هذه السنة مقارنةً بالسنوات السابقة، «فبعدما كان الناس يتهافتون على شراء الأحلى والأنسب، أصبحوا يبحثون اليوم عن الأرخص».
أما لينا خوري، فقد وجدت الحل بتقليص عدد الهدايا. وبعدما كانت تأتي لكل فرد من أفراد الأسر في عائلتها الكبيرة بهدية، أصبحت تقدم هدية واحدة إلى جميع أفراد الأسرة «لأنو صرت أحسب حساب الهدايا أكتر من قبل». أما جوانا شعنين، فقد لجأت إلى خطة بالتوافق بينها وبين سلفتها بأن تكتفي كل والدة بتقديم الهدايا لأبنائها من دون تبادل هدايا إضافية بين الأسرتين. «قلّلت الهدايا للنص هالسنة. ما بقى قادرين نلحّق. وحددت لولادي عدد الهدايا، بعد ما كانوا يطلبوا قائمة طويلة».
ورغم أن عيد الميلاد هو عيد ديني مسيحي في الأساس، إلا أن طقوسه، وخصوصاً في ما يتعلق بالاستهلاك، لا ينطبق عليها التقسيم الجذري بين مسلم ومسيحي.
فقد تربّت ندى مارون في بيت لم يمارس يوماً طقس تبادل الهدايا في عيد الميلاد بسبب ظروف الأسرة المادية. «تعودنا نتعشى سوا ونروح سوا يالليل عالكنيسة لكن ما نتبادل هدايا» كما تقول، مؤكدة أنها لم تشعر يوماً، بعد بلوغها الـ12 عاماً وتوقّف بابا نويل عن زيارتها، بالغيرة من أصدقائها الذين ظلوا يتبادلون الهدايا في عائلاتهم.
في المقابل، تحرص ريما كحيل على نصب شجرة الميلاد في كل سنة.
«فميلاد المسيح مناسبة للمسيحيين وللمسلمين على حد سواء. كما أن مزاج الأعياد ساحر، وموجود في المدرسة وفي الشارع، فلمَ أحرم طفلتيّ إيّاه؟»
لا تحرم ريما طفلتيها الهدايا، رغم اكتشاف إحداهما، وهي الأكبر سناً، أن بابا نويل غير موجود، إلا أن الظروف المادية الصعبة هذه السنة قد حوّلت نوع الهدية في أسرتها الصغيرة. فبعدما كانت تأتي لطفلتيها بالكماليات، أصبحت تستغل فرصة حلول عيد الميلاد، تماماً كما تنتظر حلول غيره من الأعياد كعيد الفطر أو الأضحى، لتأتي لهما باحتياجاتهما من أغراض لا تعيرها الأولوية في الأيام العادية.