قرى الميلاد تقليد أرووبي يعيد إحياء أجواء هذا العيد الاحتفالية، القرى الأولى أُقيمت في ألمانيا في القرن الخامس عشر... وهذا العام استقبلت جادة الشانزيليزيه الفرنسية للمرة الأولى قرية تعج بالزوار ليل نهار... نبيذ وجبنة ومنتوجات من الصين، ومندوبو جمعيات خيرية... أنت تجول في أماكن كوزموبوليتية
باريس ـــ جلنار واكيم
إن سألتني متى أحب أن أكون في باريس، أقل لك في الشتاء بالتأكيد. وإن سألتني متى تحديداً، لقلت لك في عيد الميلاد. لا أحب هذا العيد إلا هنا، أحبه وأنا أمشي في الشارع، وحيدة وسط البرد. هنا في العاصمة الفرنسية تعلمت أن أحب عيد الميلاد من جديد، وفي هذه الفترة تحديداً أحببت البرد. لم أعد أذكر متى فقد هذا العيد تماماً أهميته بالنسبة إليّ. فجأة وجدت نفسي كبيرة عليه، وباتت طفولتي بعيدة، وكأنها انتهت يوم لم أعد أؤمن ببابا نويل، أو ربما يوم أفسدت فرحة أبناء خالتي الصغار، وقلت لهم إن بابا نويل ليس إلا خالي لابساً الزي الأحمر، متخفياً وراء لحية من القطن.
عندما وصلت للمرة الأولى إلى باريس، كانت الزينة الجميلة موجودة في كل مكان. أعادني هذا المنظر إلى طفولتي، وعدت لأكتشف الطفلة التي كانت دائماً تُسحر بالأضواء وموسيقى الميلاد وأصوات الأجراس. وإن اعتدت منذ ذلك الوقت على هذا الروتين المتكرر سنوياً، فما زلت ضعيفة أمام شيء واحد، شيء أدمنته منذ عشر سنوات، وهو القرى الميلادية.
اكتشفت القرى الميلادية للمرة الأولى في جادة سان جرمان. هناك، كنت أمرّ يومياً لأذهب إلى الجامعة. ثم فجأة بين ليلة وأخرى، قامت قرية كاملة من البيوت الخشبية أمام الكنيسة. تلك هي ما يسمونه بالقرى الميلادية. قرية قامت مثل الحلم، فجأة ملأت هذه البيوت ساحة السان جرمان، ثم امتدت في ساحة ثانية وثالثة. وفي كل حي، كانت هذه القرى تشبه تلك المرسومة في القصص والكتب التي كنا نقرأها عندما كنا أطفالاً... عندما كانت أحلامي بلون وردي أشبه بشخصيات الرسوم المتحركة وديكورها.
كان الدخول إلى قرى الميلاد أشبه بالدخول إلى بطاقات المعايدة. «شاليهات» خشبية كما نسميها. ألوان الميلاد الحمراء والخضراء وثلوج بيضاء تغطي سقوف هذه البيوت. كانت موسيقى الميلاد والأضواء تخلق جواً خارجاً عن الزمان والمكان، جو يعزلنا تماماً عن العالم الخارجي. ربما يمكننا أن نختصر الوضع بالآتي: النظر من الخارج كمن يفتح صفحة من قصص الأطفال، ثم الدخول يحولنا إلى شخصية من شخصيات هذه الكتب. نعم، هناك شيء أعادني خمسة وعشرين عاماً إلى الوراء. عدت، مرة أخرى، لأستمتع بالميلاد.
أدمنت قرى الميلاد. وباتت أجمل النزهات بالنسبة إليّ تلك التي أمضيها في قرى الميلاد. أتمشى بين المحال. هنا تباع أغراض تقليدية من جبال الألب. وهنا تباع معاطف من الصوف. وهنا، وبإمكانه تناول الوجبات الشتائية «كالراكليت» و«الفوندو» (الجبنة السائحة). ولا بد من تناول كأس نبيذ ساخن مع القرفة وسط البرد القارس.
كانت هذه القرى تقليداً أوروبياً، لكنها تحولت اليوم إلى قرى عالمية. هنا تباع العطور المغربية، وفي كشك آخر تباع الماتريوشكا الروسية، وفي أحد الأجنحة يقف بائعون من الصين...
تستغل المنظمات الإنسانية هذه المناسبة لجمع التبرعات من أجل شعوب العالم الثالث، وتبيع أشجار ميلاد يعود ريعها لأطفال كمبوديا. مندوبو بعض الجمعيات يبيعون البيرة السوداء، ومقابل كل كأس، يتعلّم طفل في أفريقيا.
يعود تاريخ قرى الميلاد إلى القرن الخامس عشر. وكانت أولاها في ألمانيا، وفي منطقة الألزاس الفرنسية. يومها، كانت هذه القرى تحمل اسم «قرى القديس نيقولا». أنشئت القرية الأولى عام 1434 تحت حكم فريديريك الثاني دو ساكس. ثم تحولت من «قرى القديس نيقولا» إلى «قرى الميلاد»، احتفاءً بميلاد يسوع المسيح. وعام 1570 أُنشئت قرية ميلادية في استراسبورغ، ثم قرية في نورمبرغ عام 1628، وسرت العادة منذ ذلك الحين في إنشاء قرى ميلادية في المدن المذكورة. ومنذ عام 1990، أخذت مدن أوروبية عديدة هذه العادة وصارت عادة إنشاء قرى الميلاد في مختلف الأحياء. وباتت كندا تنشئ قرى ميلادية منذ سنتين أيضاً.
هذا العام تستقبل جادة الشانزيليزيه للمرة الأولى قرية ميلادية. ميزة هذه القرية أنها أوروبية بامتياز. وللمناسبة أنشئ تسعون بيتاً، رفع على سطح كل واحد علم إحدى دول الاتحاد الأوروبي. كل بيت متخصص ببيع أغراض تقليدية أوروبية أو عرضها. كما تبيع بضعة بيوت التذكارات الأفريقية والآسيوية. يأتي تدشين هذه القرية الأوروبية بمناسبة ترؤس فرنسا الاتحاد الأوروبي. وقد أضيئت الشانزيليزيه باللون الأزرق تيمّناً بلون العلم الأوروبي. كما زيّنت 415 شجرة بمليوني ضوء. وكي لا تتحول الأعياد إلى فقرة من التبذير غير المؤاتي للبيئة وللطبيعة، اختارت بلدية باريس إضاءة مصنوعة من مادة الديود، مما يوفر 70% من الطاقة المستخدمة.
هكذا نظّمت نهاري قبيل عيد الميلاد. بتّ أبدأ نهاري في زيارة قصيرة لقرية ميلادية جنب المنزل، وأنهيتها بعد العمل في قرية أخرى، أينما كنت، هذا هو عيد الميلاد بالنسبة لي، بتّ أمضيه في القرى الميلادية، أنظر إلى الواجهات، أستمع إلى الأغاني، وأشرب الشوكولا الساخن. نعم، أعادت إلي هذه القرى جزءاً من طفولتي.


مشاهدات من أوروبا


من أشهر القرى الأوربية قرية الميلاد في بروكسل. تقع هذه القرية في المدينة القديمة من العاصمة البلجيكية، وتحديداً في ساحة القديسة كاترين، وتتألف من 220 بيتاً.
أما في فرنسا، فتبقى قرى الألزاس، وتحديداً استراسبوغ، في طليعة القرى، ويكفي عبور الحدود الفرنسية الألمانية لتذوّق أطيب خبز ألماني في قرية الميلاد في مدينة اكس لا شابيل.
وفي جنيف. بُنيت 120 قرية حول بحيرة لو مان، لتكون الأجمل في سويسرا.