تزعم الحكمة السياسية الغربية أنّ دعم الدول الغربية لحروب إسرائيل ضد البلاد العربية والفلسطينيين مبنيٌّ على أساس دعمها لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد أعدائها. وقد مأسست هذه الحكمة في إسرائيل نفسها حتى قبل تأسيس المستعمرة الاستيطانية
جوزيف مسعد*
تطلق إسرائيل (غير ساخرة) اسم «قوات الدفاع الإسرائيلية» على جيشها الغاصب، تماماً كما كانت تطلق دولة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا على جيشها اسم «قوات الدفاع الجنوب أفريقية». ولا تقتصر هذه التسميات «الدفاعية» على إسرائيل وحدها، إذ سارعت العديد من الدول بعد الحرب العالمية الثانية إلى إعادة تسمية وزارات «الحرب» فيها بوزارات «الدفاع». ومع ذلك يطلَق الطابع الدفاعيّ المزعوم لما تقوم به إسرائيل على كل حرب خاضتها منذ إقامة المستعمرة، حتى على وجه الخصوص تلك الحروب التي بدأتها هي، وهي كل الحروب التي دخلتها إسرائيل باستثناء حرب 1973.
وعلى هذا الأساس تصبح حرب 1948 التي بدأتها الميليشيات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، أي في اليوم التالي لإصدار مجلس عموم الأمم المتحدة، المسيطَر عليه غربيّاً، قرار التقسيم، حرباً «دفاعيّة»، وهي الصفة التي تطلق على عملية طرد 400 ألف فلسطيني من ديارهم قبل 15 أيار/ مايو 1948، أي قبل دخول الجيوش العربية الثلاثة (الجيش المصري، السوري، والعراقي) المنطقة التي أصبحت إسرائيل في ما بعد (لم يكن أصلاً للبنان جيش كي يحارب به، وبالكاد استرجع لبنان قريتين كان الإسرائيليون قد احتلوهما، بينما دخلت القوات الأردنية المنطقة التي خصصها قرار التقسيم للدولة الفلسطينية، ومنطقة القدس التي كانت ستقع تحت حكم دولي بموجب قرار مجلس الأمن). وعلى الرغم من ذلك ما زالت إسرائيل وحلفاؤها الغربيون والعرب، وحتى الفلسطينيون منهم، متّفقين على تكريس الكذبة الإسرائيلية التي تدّعي أنّ «مشكلة» اللاجئين نتجت من حرب 1948 التي دخلتها إسرائيل بصفة «دفاعية»، وأن مسؤولية تهجير اللاجئين تقع على عاتق الحكومات العربية التي «بدأت» الحرب. فبينما يمكن اعتبار تهجير إسرائيل لـ370 ألف فلسطيني بعد 15 أيار/ مايو 1948 وقبل نهاية كانون الثاني/ يناير 1949 (دون ذكر آلاف الفلسطينيين الذين هُجّروا بعد توقيع اتفاقيات الهدنة، لا سيما سكان المجدل «عسقلان» اليوم، الذين حمِّلوا على شاحنات وهجِّروا قسراً إلى غزة) في الظاهر على أنه نتيجة للحرب، فيبقى من المستهجن إدراج الـ400 ألف لاجئ السابقين في هذه الخانة. وفي حقيقة الأمر يجب تطبيق هذه الحجة أيضاً على اللاجئين الذين هجِّروا بعد 15 أيار/ مايو 1948، حيث إن التهجير الصهيونيّ القسريّ للفلسطينيين الذي تواصل على مدى خمسة أشهر قبل دخول الجيوش العربية في 15 أيار / مايو 1948 كان هو حجة الحرب لدخول الجيوش العربية، حيث قامت بالتدخل العسكريّ تحت راية الدفاع عن فلسطين والفلسطينيين في مواجهة العدوان الصهيونيّ. وبينما لا يؤخذ أي من هذا بعين الاعتبار، يتواصل تقديم العدوان الصهيونيّ ضد الشعب الفلسطيني ودولته المنشودة على أنه «حق إسرائيل في الدفاع نفسها».
ومن سخرية الموقف، أن يصنّف الإسرائيليون اجتياحهم لمصر واحتلال سيناء عام 1956 أيضاً في خانة «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، بالرغم من أنه في هذه الحالة اليتيمة لم يوافق إيزنهاور ولا الاتحاد السوفياتي في حينها على هذا التصنيف الإسرائيلي لحربها وأرغماها على الانسحاب. أما اجتياح إسرائيل لثلاث دول عربية عام 1967، فقد قُدِّم ويُقدَّم على أنه حرب «دفاعية»، حيث إنه إن صار واعترف الإسرائيليون وحلفاؤهم بأن إسرائيل هي الطرف الذي بدأ الحرب، فلا بدّ من أن يلي ذلك الاعتراف تفسير مستعجل (وكلمة «تفسير» بالعبرية هي «هسْبرَة» وتعني أيضاً «الدعاية السياسيّة» أو البروباغاندا) بأنها كانت حرباً «استباقية» كانت «تدافع» إسرائيل من خلالها عن نفسها.
ويندرج تحت هذا التصنيف اجتياحات إسرائيل للبنان في الأعوام 1978، و1982، و2006، وكذلك احتلالها للضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان، وحصارها بعد ذلك لغزة ومذابحها المستمرة فيها منذ ثلاثة أسابيع. ويُقَدَّمُ منطق إسرائيل على النحو الآتي:
يحق لإسرائيل أن تحتل الأراضي الفلسطينية وأن تحاصر الشعب الفلسطيني في بانتوستانات محاطة بجدار فصل عنصريّ، وأن تجوِّعهم وتمنع عنهم الكهرباء والوقود، وأن تقتلع أشجارهم وتجرِّف أراضيهم وتبيد محاصيلهم، وأن تُغير عليهم متى شاءت وأن تغتال من شاءت من قادتهم المنتخبين. أما إن قام هذا الشعب بمقاومة هذا الهجوم الإسرائيلي الكاسح الذي يستهدف حياتهم ونسيجهم الاجتماعيّ، فإن ردّ إسرائيل بذبحهم جماعيّاً لا يعدو أن يكون «دفاعاً» إسرائيلياً عن النفس كما هو واجب ولازم على إسرائيل.
لقد علّق الصحافي الأميركي توماس فريدمان، وهو صديق لإسرائيل والعائلة السعودية الحاكمة وصحافي في جريدة النيويورك تايمز، بأن ما تقوم به إسرائيل هو عملية تثقيفية أو بداغوجية تهدف إسرائيل من خلالها لأن «تعلِّم» الفلسطينيين درساً. وآمل من مؤسسات رجال الأعمال العربية، التي تدعو توماس فريدمان باستمرار للبلاد العربية لكي يخطب في مؤسساتها ولأعضائها وتدفع له المبالغ الطائلة مقابل ذلك، أن تدعوه مرة أخرى كي «يعلّم» رجال أعمالنا مناهج إسرائيل البداغوجية والدعاية الحربية لجريدة النيويورك تايمز نيابة عن إسرائيل. وتنحصر حجة إسرائيل وحلفائها في شقين: لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، أما ضحاياها فليس لهم حق مماثل في الدفاع عن أنفسهم. إلا أن منطق إسرائيل، في الحقيقة، أشد مكراً من ذلك. ويمكننا إجمال هذا المنطق كالآتي:
إن لإسرائيل الحق في اضطهاد الشعب الفلسطيني، وهي تقوم بذلك دفاعاً عن نفسها، أما إن قام الفلسطينيون بالدفاع عن أنفسهم ضد هذا الاضطهاد الإسرائيلي، وهو ما ليس من حقهم، فيكون لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ضد دفاع الفلسطينيين غير المشروع ضد اضطهادها المشروع لهم، وهو ما تقوم به إسرائيل أصلاً كي تدافع عن نفسها شرعيّاً.
لذلك، فليس لإسرائيل الحق في امتلاك الأسلحة وأن تكون قوة نووية وأن تكون متفوقة عسكرياً على كل البلاد المجاورة لها مجتمعة فحسب، بل يجب على جيرانها أن يستخدموا قواتهم العسكرية للجم الفلسطينيين لا إسرائيل، وأن يقدموا لها كل عون ممكن لحصار الشعب الفلسطيني المقاوم. وإن حاول الفلسطينيون الحصول على أسلحة للدفاع عن أنفسهم ضد اجتياحات إسرائيل ومذابحها، فلإسرائيل الحق باستخدام قوتها القصوى لمنعهم من «تهريب» الأسلحة غير القانوني بحسب تصنيفها. ويأتي توقيع إسرائيل مذكرة تفاهم مع راعيها الأميركي أخيراً، وتبرع دول أوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا) بقواتها لحصار بحر غزة وحدودها مع مصر لمنع «تهريب» الأسلحة التي يحتاج إليها الفلسطينيون للدفاع عن أنفسهم هو التطبيق العملي لهذا المنطق. ويهول حلفاء إسرائيل الأوروبيون وراعيها الأميركي محاولة الفلسطينيين الحصول على أسلحة يدافعون بها عن حياتهم ضد حق إسرائيل في ذبحهم «دفاعاً» عن نفسها. وقد ذهبت إسرائيل أبعد من ذلك عندما جنّدت القيادة الفلسطينية البائدة منذ 15 عاماً لدعم جهودها في قمع الفلسطينيين الذين يقاومون حقها في اضطهادهم. وهذا بالضبط هو العامل الرئيس الذي من أجله أنشئت السلطة الفلسطينية.
إن السلطة الفلسطينية التي أقامتها اتفاقية أوسلو على الورق في خريف عام 1993 والتي ولدت على شكل مؤسسات يقوم عليها متعاونون فلسطينيون مع الاحتلال عام 1994 قد وصلت إلى نهاية حياتها في شتاء 2009. فبينما بذلت هذه السلطة أقصى جهدها لتكون قوة قمعية تنوب عن إسرائيل وقتلت العديد من الفلسطينيين الذين قاوموا الاحتلال وتعاون السلطة معه منذ عام 1994، إلا أن مقدرتها لم تسعفها في القضاء على المقاومة الفلسطينية تماماً، لا سيما بعد إخفاقها في الانتخابات وفشلها في إيقاع الهزيمة العسكرية بحركة حماس. فبعد خمسة عشر عاماً من تأسيسها، ها هي رحلة السلطة الفلسطينية تصل إلى نهايتها وينفد زخمها. فقد دمرت إسرائيل جميع مؤسساتها الإدارية والبيروقراطية التي كانت تديرها حماس في غزّة، معيدة حماس إلى موقعها الأصلي، حركة المقاومة الفلسطينية الرئيسة التي تقاوم احتلال إسرائيل غير الشرعيّ للضفة الغربية والقدس الشرقية، ولحصار إسرائيل الإجراميّ لقطاع غزّة، وللتطهير العرقيّ الإسرائيلي المتواصل للشعب الفلسطينيّ.
وقد كانت عملية إنهاء السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أكثر تدرجاً. فبينما شنّت إسرائيل حرباً جزئية على السلطة الفلسطينية أثناء اجتياحها مدن الضفة الغربية وقراها (التي كانت قد أعادت إسرائيل نشر قواتها من حولها سابقاً)، فقد أعادت إسرائيل النظر في السلطة بعد وفاة عرفات وبعدما وعدها خلفاؤه بأن يتعاونوا معها بالقدر ذاته الذي كان عليه عرفات قبل محادثات كامب دافيد في صيف عام 2000. أما اختطاف إسرائيل لمسؤولي حماس المنتخبين للمجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 وكذلك وزراء حماس في حكومتها المنتخبة، الذي تبعته حرب قيادة فتح، التي خسرت الانتخابات، على مسؤولي حماس وكوادرها، والانقلاب غير الشرعي الذي قام به محمود عباس ومعاونوه بالتعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل ضد حماس والذي نجح نجاحاً تامّاً في الضفة الغربية بينما فشل فشلاً ذريعاً في غزّة، فقد حدّد مصير السلطة الفلسطينية. أما رصاصة الرحمة فقد أطلقت على السلطة منذ أيام عندما انتهت ولاية محمود عباس في 9 كانون الثاني/ يناير 2009، بغض النظر عن محاولاته غير الشرعية لتمديدها سنة إضافية.
وبينما كان عباس العضو الوحيد في مجموعة المتعاونين في الضفة الغربية الذي يملك صفة قانونية نتيجة الانتخابات، فبانتهاء ولايته القانونية لم تعد هنالك سلطة فلسطينية ذات مكانة قانونية أو حتى شرعية شعبية أو قضائية. وكما ولدت السلطة الفلسطينية بإرادة إسرائيلية وبتعاون من النخبة الفلسطينية معها، فها هي تموت بإرادة إسرائيلية وبتعاون النخبة الفلسطينية. وها هو غياب عباس عن قمة الدوحة قبل أيام، وهي القمة التي عقدت لمؤازرة الشعب الفلسطيني المقاوم، ووصفه لها «بالكمين» الذي يراد منه انقسام الفلسطينيين، يكشف بما لا يدع مجالاً للتأويل تعاونه التام وغير المتردد أو المعتذر مع الاحتلال الإسرائيليّ والطغاة العرب المتحالفين مع إسرائيل والولايات المتحدة. أما مشاركته مع القادة الأوروبيين في قمة شرم الشيخ، التي عقدت من أجل إيجاد آليات لمساعدة إسرائيل في القضاء على الشعب الفلسطيني، فلم تكن هي الأخرى مفاجأة للفلسطينيين. فبينما تواصل السلطة الفلسطينية اغتصاب السلطة في الضفة الغربية، فقد أصبح جليّاً أن شيئاً لن يزحزحها سوى انتفاضة ثالثة، تنهي حكمها غير الشرعيّ وترغم مسؤوليها من المتعاونين مع الاحتلال على حزم أمتعتهم والرحيل عن منابر السلطة. وتقوم اليوم خطة الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون وإسرائيل على إغراق السلطة الفلسطينية بالأموال تحت صيغة «إعادة إعمار غزة» على أمل أن تغري فلسطينيي غزة المذبوحين والمدمرين والمفقَرين إسرائيلياً بالكف عن دعم حماس، وأن يوجهوا دعمهم بدلاً من ذلك إلى تلك السلطة غير الشرعية والمتعاونة، التي ستلوح بالأموال الأوروبية أمامهم طُعماً.
وإن كان جيل من المثقفين العرب والفلسطينيين قد بدأ منذ السبعينيات بالاعتقاد أن المقاومة المسلحة لن تفضي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وأن السبيل الأمثل لذلك يكمن في المفاوضات، فقد أيقن جيل جديد كامل من المثقفين العرب والفلسطينيين (وبعضهم من الليبراليين) أن المفاوضات مع إسرائيل لن تخدم إلا تعزيز الاحتلال في الحاضر وتكريسه في المستقبل. فالمزايا التي تمخضت عنها 18 عاماً من المفاوضات، وكما أصبح واضحاً للجميع، لم تقتصر على زيادة الاستيطان والمذابح ومصادرة الأراضي فحسب، بل تعدتها إلى تفجير الحركة الوطنية الفلسطينية من الداخل.
صَدَقَ من قال إن المفاوضات قد أتت بالربح على طبقة رجال الأعمال الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة وعلى طبقة مثقفي الكومبرادور والطبقة البيروقراطية والعسكرية ممن استدخلوا في لعبة السلطة الفلسطينية وتمويل المنظمات غير الحكومية عبر «عملية السلام»، ولكن هذه الأرباح قُدِّمت للأقلية على حساب قوت الأغلبية. إذاً، ما جرى إنهاؤه بمذابح إسرائيل في غزة ليس السلطة الفلسطينية المتعاونة فحسب بل أيضاً المفاوضات كطريقة ذات مصداقية في إنهاء الاحتلال. وهذا هو الوضع الذي سيجده الرئيس الأميركي الجديد والمسعور بدعمه لإسرائيل والصهيونية. فالرئيس أوباما، نصف الأبيض والمسيحيّ كليّاً الذي ردّ على «تهمة» أنه مسلم بالقول: إن أمه البيضاء وعائلتها المسيحية هم الذين ربوه، وأنه يؤمن بأن دم يسوع المسيح سيخلّصه وأنه يصلّي إلى يسوع كل ليلة قبل أن ينام، سيواصل مع معاونيه الداعمين لإسرائيل، دعم جرائم حربها وتكريس سلطة المتعاونين الفلسطينيين في الضفة الغربية.
لقد دمّرت إسرائيل السلطة الفلسطينية في غزة بعدما لم تعد تستطيع أن تعتمد على تعاونها معها نتيجة تقلد حماس مهمات الحكم هناك بحكم الانتخابات. وإثر فوز حماس في الانتخابات، ألقت إسرائيل القبض على مسؤوليها كي تفسح المجال لقيادة فتح بمواصلة تعاونها مع الاحتلال دون مضايقة. فالسلطة الفلسطينية باقية اليوم في الضفة الغربية كياناً غير شرعي لأن إسرائيل ما زالت تعتمد على تعاونها، وهو ما عبّرت عنه السلطة من خلال قمعها تظاهرات الفلسطينيين في الضفة الغربية المتضامنة مع أهل غزة. أما تكديس الأموال في صناديق السلطة الفلسطينية وفي جيوب القائمين عليها لتعذيب الشعب الفلسطيني، فلن يجعل خيار هذه السلطة العميلة أكثر قبولاً لدى الجماهير الفلسطينية الفقيرة التي كانت الخاسر الأكبر من عملية أوسلو وحكم السلطة الفلسطينية.
في هذه الأثناء، سيواصل الغرب ومعه إسرائيل الدفاع عن «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» وإنكار حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم. وبينما يسمي البعض هذه المعادلة بـ«العلاقات الدولية»، فهي في الواقع ليست سوى علاقات عرقية، حيث إن لليهود، الذين دخلوا منظومة العرق الأبيض بعد الحرب العالمية الثانية، حقوقاً لا ينبغي للفلسطينيين ونظرائهم في العالم غير الأوروبي، القابعين إلى الأبد خارج منظومة البياض العرقي، الحصول عليها، مما يثبت أن توماس فريدمان كان على حق في ما قاله: إن إسرائيل تحاول أن تعلِّم الفلسطينيين بأنها ستعاقب كل محاولاتهم بالتصدي لسلطتها الاستعمارية البيضاء التي تستخدمها لاضطهادهم، وأن على الفلسطينيين أن يفهموا أنهم يستحقون أن يعاقبوا وأن يهزموا لأنهم غير بيض.
تكمن المشكلة في أن الفلسطينيين كتلاميذ للإنسانية الكونية، التي تعلمهم بأنهم متساوون مع كل الشعوب، يرسبون في امتحانات إسرائيل ودروسها العرقية. فما يُصرّ الفلسطينيون عليه هو أن على إسرائيل أن تُعلَّمَ بأن ليس لها الحق في الدفاع عن تفوقها العرقيّ وأن للفلسطينيين الحق في الدفاع عن إنسانيتهم الكونية ضد اضطهاد إسرائيل العنصريّ لهم. فهل ستتعلم إسرائيل وحلفاؤها هذا الدرس؟ تاريخ إسرائيل يعلِّمنا بأن الصهاينة، كتلاميذ للتفوق العرقيّ، قد رسبوا دوماً في امتحان الإنسانية الكونية.

* أستاذ السياسة والفكر العربي الحديث في جامعة كولومبيا. يصدر كتابه «ديمومة المسألة الفلسطينية» قريباً عن دار الآداب، بيروت.