بيسان طيإذا تحدث كاتب أو مثقف عن حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ترتفع أصوات من هنا وهناك، لتقول «ألا تملّون من القتال؟». وإذا تكلم عن المقاومة في لبنان يجيبونه «أنتم تعشقون الموت»، وعندما يدعو الشعوب العربية إلى الانتفاض ضد الأنظمة الحاكمة، تنهال عليه الـ«الكتابات» والردود والتصريحات، بأنه صاحب لغة خشبية ولّى زمانها...
كل رد يُذيّل عادة بأننا يجب أن ننسى قتال إسرائيل، وذلك لكي «نتفرغ» للحاق بركب التطوّر.
لا يقول لنا أصحاب الفكر «النيو ليبرالي» كيف يمكن تحديد هذا «التطوّر»، ولكننا نعتقد أنه يشمل فيما يشمل فكر الإنسان وسلوكياته. لن نخوض طويلاً في أمر مهم، ألا وهو أن التطور يعني صناعة التكنولوجيا لا استهلاكها فقط، وأنه يعني أيضاً شكلاً معيناً من الاستهلاك لا يشبه الغرق في مواقع الإنترنت الإباحية.
لندع كل هذا الكلام جانباً، لننسى تراجع الإنتاج المعرفي، لننسى حال جامعاتنا ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام، فالليبراليون العرب على نهج المسؤول الذي قال «أغبياء الأميركان، هم يصنعون السيارات ونحن نركبها».
لنركّز على أمر واحد فقط، لا بد أن يشمل التطور حياتنا الاجتماعية، لا بد أن يشمل حياة الأسرة، وعلاقة الأهل بأولادهم، والعلاقة التي تربط الزوجين أو الإخوة. تلفت التقارير والأبحاث التي تدرس جوانب من حياة المكوّن الأصغر للمجتمع إلى تفاقم المشاكل في الأسرة العربية (نعم، الأسرة العربية).
عن أي تقدم يتحدثون؟ ما دامت السلطة البطريركية راسخة، تمتد جذورها عميقاً في الأرض، وخاصة في أرض «الدول المعتدلة»، بعضها يمنع المرأة من قيادة السيارة، وبعضها ينتج «أفلاماً نظيفة»، وبعضها ترتفع فيه نسبة «جرائم الشرف».
عن أي تطور يتحدثون؟ ما دامت الدراسات عن المراهقين العرب تلفت إلى تفاقم مشاكلهم رغم ميلهم للإذعان لما يقوله أهلهم (راجعوا مثلاً التقرير الذي أصدرته مؤسسة «الكوثر» التونسية)، ألا يناقض هذا الميل الطبيعة البيولوجية والنفسية للمراهق؟ أيصح الإذعان مع التقدم؟
عن أي تطور يتحدثون؟ ونحن في «صفحة أسرة» مثلاً، نتعرف إلى مشاكل (بل مآسٍ) يعانيها الأولاد، رغم أن أهلهم من حملة الشهادات الجامعية، مشاكل تعكس ضيق الرؤية عند الأهل. وهي بالمناسبة ليست مشاكل ناجمة عن صراع الأجيال، أو عن الهوة الثقافية، إنها ناجمة عن عقلية محدودة لأب (أو أم) يرفض إعادة النظر في سلوكياته وأفكاره وردود أفعاله، وفي مخزونه الثقافي ـــ الاجتماعي.
عن أي تطوّر يتحدثون؟ ونحن نعرف أن مئات آلاف الشبان العرب يتخبّطون ويخطئون اختيار مهنهم، لأن أساتذتهم وأهاليهم ــــ المتعلمين ـــــ لم يدركوا كيفية توجيههم نحو ما يحبونه، ولم ينتهجوا سلوكاً تربوياً يساعد الابن ـــــ والابنة بالطبع ـــــ على التعرف إلى نفسه واكتشاف ذاته.
عن أي تطوّر يتحدثون؟ ما دام المنجمون نجوم الساحة، يؤمن بقدراتهم المهندس والطبيب والأستاذ الجامعي والمحاسب ومطوّر برمجيات الكمبيوتر وغيرهم وغيرهم...
للتذكير فقط، إننا في عهد الثورة والإيمان المطلق بالمقاومة، أنشأنا المصانع، وأخرجنا المرأة من زنزانتها، وصنعنا أفلاماً جميلة وكتباً نقدية، وكرسّنا حق أي كان بالتعلّم واكتساب المعرفة.