جلنار واكيمالمتشردون لا يسكنون الشوارع مصادفةً، لكل منهم قصة تخفي مأساته. «لنقل إن التشرد، أو العيش في الشارع هو نتيجة لضغط الحياة، يدفع المرء إلى حائط مسدود، ما يؤدي إلى انكسار في أمور عديدة. هذا اليوم، يشعر فيه المرء بالخوف والقلق. لا يجد مخرجاً لحالته، فيمضي إلى الشارع، ويبقى هناك، دون رجعة» بهذه الكلمات، عرّف لوران متشردي الشوارع.
غني عن القول أن معظم دول العالم تعاني مشكلة المتشردين، وهي مشكلة تطال خصوصاً المدن الكبرى كباريس ولندن ونيويورك، حيث العلاقات الاجتماعية أكثر تعقيداً، وحيث تكون البطالة أكثر ارتفاعاً.
لوران أستاذ سابق لمادة الرياضيات، «في يوم من الأيام، وجدت نفسي في الطريق»، كان ذلك بعد وفاة زوجته، شعر بحزن كبير في شقتهما الموحشة. نزل إلى الطريق باحثاً عن أناس يتحدث إليهم، فلم يجد غير المتشردين، أصبحوا أصدقاءه الجدد. صار يمضي ساعات طويلة معهم. ثم وجد نفسه ينام ويأكل معهم، ويتنقل مثلهم من مكان إلى آخر.
أما سيدريك (40 عاماً)، فحكايته تشبه روايات العشاق العذريين. كان مصوراً محترفاً يعمل مع عدة وكالات. هجرته حبيبته، فباع كل ما يملك ليبحث عنها. عندما عثر عليها، كانت قد استقرت مع شاب جديد. أصيب سيدريك بخيبة أمل كبيرة، وهام على وجهه في شوارع مدينة نيس.
يعيش سيدريك ولوران مع آخرين في علّية وسط ساحة «ناسيون» في باريس. يتقاسمون المأكل والمشرب والدفء. أما الخمر، فلا مفر منه، إنه يدفئهم وينسيهم همومهم.
يعيش هؤلاءِ المتشردون في مجموعات بحثاً عن الحماية، فهم يتعرضون للضرب والنشل. يقول باتريك إنهم لا يمكثون في العلية طوال الوقت، وذلك لتفادي المراقبين، فينتقلون إلى شارع صغير لليلة أو أكثر، ثم يعودون إلى العلية.
يقول الكاهن الفرنسي الشهير الأب بيار في مذكراته، إن ثلاثة أيام كافية لتحويل الإنسان إلى متشرد مقنع ومقتنع، وبغض النظر عن أسباب التشرد.
■ ثلاثة أيام من دون تناول أي شيء غير السندويشات السريعة في محطات المترو والقطار
■ ثلاثة أيام ينام فيها المرء ويسكنه الخوف من أن يصاب بمكروه أثناء نومه.
■ ثلاثة أيام يشعر فيها بالبرد في الصباح، حتى في أشد أيام الصيف.
■ ثلاثة أيام وهو يمشي ساعات طويلة.
■ ثلاثة أيام لا يستحمّ فيها ولا يبدّل ملابسه.
■ ثلاثة أيام وهو مرهق، ما يمنعه من التفكير.
■ ثلاثة أيام كافية لكي ينسى كل ما تعلّمه خلال سنوات.
ثلاثة أيام تجعل المرء يفكر فقط بالمأكل والنوم، «هموم هي أقل من هموم الكلاب والقطط» كما يقول سيدريك.


وتمضي الأيام...

يقضي المتشردون يومهم في التحدث، ويسخرون مما وصلت إليه البشرية من تطور، لديهم متسع من الوقت لكي «يتفلسفوا، كفلاسفة الأمس، أيام أفلاطون وسقراط». أما عند الظهيرة، فيتناولون الخمر وينامون، ثم يعودون إلى مراقبة المارة


المأكل والمسكن

يحصل المتشردون على قوتهم مما يحضره لهم سكان الأحياء التي ينامون فيها، قد يتسولون ذلك أو يبحثون عنه بقايا من النفايات. كذلك توفر بعض المؤسسات والجمعيات الخيرية الطعام والمسكن لهم