فيصل فرحاتانتعشت الرأسمالية حين بدأت تجارة الخضار والفاكهة والحبوب والتوابل، وبالطبع الحرير. ثم تطوّرت مع تطوّر القوة المنتجة بشراً وآلات، وخاصة حين توسّعت تجارة الأخشاب والفحم والمعادن. نقلت الرأسمالية الحياة إلى نمط آخر، وخاصة على مستوى السعادة النسبية التي تمتع بها معظم الناس، كلّ بحسب وعيه ووضعه. وهذا يُعدّ فخر الرأسمالية، التي جعلت الإنسان سيداً حراً مستقلاً، قبل أن يسأل عن حاجة أو مساعدة حتى من أهله، وخاصة حين يتخطى عمر 18 سنة.
إلا أن انتصار الرأسمالية في تطوّرها، وخاصة العلمي والتكنولوجي، كان قد تجلّى وسطع في ظل الاشتراكية السوفياتية، التي أدّت دوراً أساسياً، بشكل مباشر وغير مباشر، في جعل الإنسان في الغرب منتجاً وفي حالة دفاع عن الديموقراطية في كل خطوة أو كلمة تصدر منه، كلّ حسب وعيه ووضعه. كما جعلت الإنسان في الشرق مستهلكاً وآلة يُعمل بها، ويقبض راتباً وعائلته تتعلّم وتتطبّب وتتمتع ببعض الرفاهية ـــــ النضالية.
بعد الحرب العالمية الثانية، جدّدت الرأسمالية دمها، عبر الدفاع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان بعد تدمير أوروبا مرتين، وقتل الملايين من البشر، وتدمير الألوف من المدن والجامعات والمصانع كما المزارع. اليوم، في زمن «المضاربات» في أسواق المال والنفط، واللعب في «رأس المال»، وقعت الرأسمالية في أزمتها المزمنة، إذ إنه بعد الانهيار المالي والاقتصادي، في نيويورك وأميركا والعالم، قبل ثلاثة أشهر، يتجلّى بوضوح تام أن عسكرة الحياة، عشيّة ليلة رأس السنة، بدأت في الحرب على غزة! وهنا تجدر الإشارة والتوضيح بأن عسكرة الحياة غير الحكم العسكري، وهي مرحلة عسكرية أعلى، بحيث تصبح المشاعر باردة بشكل عام وخاص تتماشى والبهيمية. وفي المقابل، عادت شعلة الحرية ترتفع في ساحات معظم عواصم العالم ومدنه وقراه، والأصوات تنادي وتصرخ من أجل السلام والعدالة، من غزة إلى كل العالم، رافضة الحرب والاحتلال وعسكرة الحياة. ختاماً، إن الهدف الرئيسي للحرب على غزة من جانب إسرائيل، هو أن يستلم الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما رغماً عنه ملفاً معقّداً والدماء على الأرض!