عمر نشّابةالحصار الإسرائيلي المستمرّ لقطاع غزّة ينتهك كرامة الفلسطينيين. فحشر نحو مليون ونصف مليون إنسان في قفص مُحكَم هو انتقاص لقيمتهم الإنسانية. إن الحقّ في الخدمات الصحية والتربوية، والحقّ في العمل وفي التمتّع بمستوى معيشي مناسب، كما الحق بالجنسية وبحكم القانون والحماية من التعذيب والظلم والإذلال، هي كلّها العناصر الأساسية للحفاظ على كرامة الإنسان. وتعذُّر توفير تلك الحقوق الأساسية يدفع الناس إلى النضال بهدف توفيرها بأنفسهم.
بحث الفلسطينيون على مدى 60 عاماً عن وسيلة لتحرير أرضهم ولمقاومة الذلّ والهوان. من خطف الطائرات، إلى تفجير السفارات، إلى ضرب المستعمرات. لم يتحرّك ما يسمّى «المجتمع الدولي» لثنيهم عن ذلك عبر السعي الجدّي لتوفير أبسط حقوقهم الإنسانية. وبدا أن القوى الكبرى لا تفهم، أو لا تريد أن تفهم الدافع الأساسي لنضال الشعب الفلسطيني.
الإدارتان الفرنسية والأوروبية وحلفاؤهما المصريون يرون أن حلّ القضية الفلسطينية يأتي عبر صفقة تجارية في إطار سياسي. وهذا تعقّل واعتدال يتباهى به البعض. أمّا الإسرائيليّون والأميركيون وبعض شركائهم المحليين والإقليميين، فيرون الحلّ في انتصار الخير على الشرّ والاعتدال على التطرّف والحضارة على التخلّف.
مبادرات السلام لوقف العدوان الإسرائيلي فتحت موسم التجارة السياسية بحقوق الإنسان الفلسطيني. فمقابل حبة دواء، تطلب مبادرات السلام طلقة كلاشنيكوف من المقاومة. ومقابل سلامة مدرسة أو مستشفى فلسطيني، يفترض إزالة خندق يتمترس فيه شباب يدافعون عن أرضهم وحقوقهم وشرفهم ويطلقون منه صواريخ صنعوها بأيديهم.
الرئيس نيكولا ساركوزي تحدث أخيراً عن ضرورة وقف تهريب السلاح إلى قطاع غزّة. إنه يريد بكلّ بساطة أن يُحرَم المظلومون مقاومة الظلم.
فسكان غزّة لم يعودوا من البشر: الإسرائيليون والأميركيون يرونهم ميكروباً شيطانياً يُفترض حرقه بالنار والدمار. أما المعسكر الفرنسي المصري، فلن يمانع هذه الرؤية إذا رفض الغزاويون مبادرته لـ«السلام». والجماهير العربية والإسلامية ترى في الغزاويين أبطال أساطير خرافيين، إذ إن تظاهرة تضامنية وتبرعاً بالمال ومقالاً حماسياً في الجريدة تكفي، ويُترك الباقي لبحر الدم الفلسطيني. فلا مجال للانضمام إلى العمل الجاد لاستعادة الحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني المحاصر؛ ولا صوت يعلو فوق صوت الأنانيات الفردية!