خضر سلامةاليوم عيد الحب، كلٌ سيعانق من يحب، فهذه الأنثى وهذه الأرض وهذه الأوراق أجواء مفتوحة للعشق، بعضنا يضحك من حصار الفرح لعينيه، وبعضنا يبكي قليلاً لشوق عينيه للفرح، لا فرق، نبقى كلنا أسرى في سلال الفكرة، الحب، محكومون بحرفين، نصنعهما من بقايا الحبر أو زبد البحر، ونتمسك بحقيقة الإنسان فينا. فكوني أنتِ في عيد الحب جارحةً، كشظية، كوني جارحةً هذا الصباح كي أتأكد أنني وحيدٌ جداً، وحزينٌ جداً، ومتعبٌ حد الغضب.. كوني جارحةً كي أتأكد من أنك تهتمين بلون ثيابي، وتطرفي الثوري وكتاباتي المفضلة، كي أتأكد من أنك ستبتسمين غداً ببراءة طفلة حين أفتح «كاسيت» الشعر، أنك ما زلت تكترثين لأداء صلاة عيد الحب فوق دفتر، أو فوق سرير.
ثم كوني واضحةً، كصرخة ثائر، كوني في عيد الحب ثائرة، قولي للعاشقين مهلاً، وتوسليهم أن يأخذوا معهم باقاتٍ من العشب الأخضر، ليتذكروا كل عام أرضاً أنجبتهم، وأعطتهم زهوراً يشبكون فيها رسائل الغرام، وحدائق يمارسون فيها القبلة الخطيرة، بعيداً عن حظيرة القبيلة، وأعطتهم مقاعدَ خشبيةً تعلمهم عناق الأيدي، قولي للعاشقين في بلادي مهلاً، كي أجمع صورهم يوم الفالانتاين، وأحصيهم عدداً، كي أتأكد من أننا شعبٌ نحب الحياة، ونخترع قصص الأطفال الجميلة.. ولو في الملاجئ، لأننا شعبٌ.. نحب!
اختصريني في عيد الحب، بضربتين على مقام النهوند، وتساقطي ورداً على الورق، خذي قلبي زيتاً لقنديل الكتابة، واتركيني حراً طليقاً، كي أملك حق الاشتياق إليك، ولأملك شرعية البكاء والطفولة، وسؤال الأصدقاء سراً عنك، سراً، كحركةٍ قرمطيةٍ تولد في معلّقةٍ عذريةٍ على أطراف ثوبك، لأسألهم عن أحوال ضفائرك السوداء، عن عدد الفرسان العائدين مهزومين مكبلين بغرورك. اتركي لي في عيد الحب، حق الانتحار بمشنقة الأمل، بمشنقة تنمو كداليةٍ من الذكريات.
كوني واضحةً جارحةً، كي أعرف أن الرحيل عنك، رحيل إلى أوبئة الغثيان وأمراض القلب، حبيبتي، كيف أكون إذا لم تكوني؟ ربما كنت لأكون كائناً شبه حي، محكوماً بالتسكع في الفراغ، بلا نبض.
فلك قدح القهوة صباحاً، أسكب فيه كل ما حفظته من تضاريس جسدك، وأتدفأ بك لتقيني وحدك من صقيع فرنسا، أنت النجمة، أنت النجمة الوحيدة التي وضعتها في حقيبة سفري وهرّبتها من عيون الأجهزة والحاسدين، فحافظَت بإخلاص على توازن الليل والنهار، وحافظَت على دوران كوكبنا وعلى رائحة الرحيق وعودة الربيع، ورتقت ثقب الأوزون ببرقية عاجلة من بسايكي، تناول فيها كيوبيد نبيذ الوفاء. كيف أقنعك كل يوم، وبعد قرون حين أتقمص في خلخال يتنصت على وقع خطواتك، بأنني سأظل أرفض أي خريطةٍ لا تتسع لصباحاتٍ تجمعنا، أو تتسع لخيالاتٍ تعدنا بالأجمل؟
كيف أقنعك، بأن المسافات والأيام والحراس، قد توصد المرافئ، لكنها لن توصد البحار، وقد تصادر الأجنحة، لكنها لن تصادر الأحلام، كيف أقنعك في العيد، بأنك حبيبتي، وبأن كل ما يخرج عن إيقاع «أحبك»، مطعونٌ في شرعيته.
لكِ التناثر في الزمان وفي المكان وفي التناقض والتطابق، ولك سفر الخواطر والعاشقين، لكِ الشغف المشاغب أوزّعه في باقاتٍ من القبل، فخذي ما يكفيك من الحب من مصارف مقلتيّ، خذي الزغاريد عن شرفة القلب، فاليوم أنتِ صاحبة الفرح، وسامحيني إن سهوت عن الغزل، شغلني عن الكتابة ما بقي من تواريخ العطور الملتصقة بجسدي، وحاصرتني مساحات العبارات الضيقة، وآلمني، أن أكتب إليك، وأنتِ على مرمى سهمٍ من قوس الصور. كل عامٍ، والحب يولد في عينيك، ويرقص رقصته الأخيرة عند خصرك.