بنت جبيل ــ داني الأمينبعد 8 أعوام على التحرير، ما زال الكثير من أبناء القرى الحدودية لا يستطيعون استثمار أراضيهم المحاذية للحدود. آلاف الدونمات المحرّرة لا تخضع لسيادة أصحابها الذين ينظرون إليها عن بعد. فقط يذكّرون أبناءهم بأن هذه الأرض ملكهم، وكانوا يزرعونها، ويكسبون رزقهم منها. يتحدّث حسين بعلبكي، من بلدة عيترون، عن نية أبناء القرية «توجيه كتاب مفتوح إلى (رئيس الحكومة فؤاد) السنيورة، لوضعه أمام المسؤولية عن تقصير الحكومة، منذ التحرير، في حماية حقوق المزارعين. فمجتمعنا زراعي، وأرضنا محررة، ومن حقنا أن نزرعها ونستخدمها». ويؤكد ذلك محمد ناصر، الذي يقول إن «أكثر من 5000 دونم خارج الشريط الحدودي، لأبناء عيترون، لا يمكن استغلالها بسبب الألغام والتهديدات الإسرائيلية، وتدخّل قوات اليونيفيل إذا اقترب أحدنا منها». الأمر مشابه في جميع القرى الحدودية. ففي مركبا، يقول المزارع محمد عطوي إن «آلاف الدونمات لأبناء البلدة لا يمكن الوصول إليها، رغم أننا كنا نزرعها قبل الاحتلال، بسبب الألغام والتهديدات الإسرائيلية. حتى إن قوات اليونيفيل تمنع أيّ تقدم للأهالي إلى هذه الأراضي». ويسأل الرجل «لمَ للإسرائيليين الحق في زراعة الأراضي المحتلة الملاصقة للحدود، بينما يمنع علينا أن ذلك؟».
بالقرب من مركبا، يطلّ موقع «عرض البير» الإسرائيلي المحصّن والمشرف على المنطقة. الأراضي اللبنانية القريبة منه خالية وجرداء. يملك أحمد عطوي منها 22 دونماً، لكنه لا يستطيع الوصول إليها. ويقول «لو سُمح لأبناء مركبا بزراعة أراضيهم الواقعة على الحدود، لتمكّن الجميع من توفير معيشتهم». ويؤكد أن «الإسرائيليين جرفوا الأرض وأزالو الحدود الفاصلة بين المالكين أثناء الاحتلال، لكنني ما زلت أعرف حدود أرضي، وسأذهب إليها يوماً ما وأعيد تحديدها». ويذهب بعض كبار السنّ في عيترون إلى أن «هذه الأراضي يزرعها أهالي عيترون منذ زمن بعيد، وأنها ملك لهم، وهي على الحدود مع بلدة «المالكية» (إحدى القرى السبع) التي فيها أكثر من 300 ألف متر مربع لأبناء عيترون صادرها الاحتلال الإسرائيلي أثناء احتلاله فلسطين». ويؤكد ذلك ما ذهب إليه أحد أصحاب الأرض، الحاج محمد علي السيد، «أنا ووالدي نزرع الأرض منذ أكثر من 60 عاماً، وهي أرض موروثة، وقد وضع الانتداب آنذاك إشارات، ما زال بعضها ظاهراً حتى الآن، تشير إلى أن الحدود (الدولية) خارج أرضنا وموازية للموقع الإسرائيلي «عريض الهوا». ويتابع السيد أنه في بداية الثمانينيات «شقّ الإسرائيليون خندقاً وسط أرضنا الزراعية كإشارة إلى الحدود الجديدة، وبرغم ذلك استمررنا في زراعتها بعد أن سمح لنا الضابط الإسرائيلي وقتذاك». كما يقول إنه يملك وعلي عبد الحسين فقيه وخليل فقيه وعبد الله عبد الله أوراقاً ثبوتية تثبت ملكيتهم للأرض، مطالباً قوات اليونيفيل بالعمل على استرجاعها سريعاً. ويشير مصدر في بلدية مارون الراس إلى أنه «ما زالت إحدى النقاط المحددة من قبل اليونيفيل داخل أراضي البلدة، ومن شأن ذلك تسهيل استيلاء العدو على نحو 20 ألف متر مربع، ونحن بانتظار إعادة ترسيم الحدود بالتنسيق مع الجيش اللبناني».


الجمل والإنكليز

يقول حسين بعلبكي (80 عاماً) إن «الإنكليز وضعوا شريطاً شائكاً على الحدود عام 1944، وضمّوا الكثير من أراضي البلدة إلى فلسطين المحتلة، لكنّهم كانوا يسمحون لنا بالعبور لزراعتها. عام 1946، نزعوا الشريط، لكنهم منعونا من الاقتراب من أراضينا القريبة من الحدود، واستمرّ المنع مع العدو الإسرائيلي». ويذكر الرجل أن أحد الولاة تعرّض للضرب المبرح من الإنكليز لدخول جمله أراضي كان يزرعها قديماً، ما يعني أن الجمل يعرف جيداً الأرض أكثر من السلطة اليوم». ويضيف: «جدِّي اشترى 100 دونم من السلطان عبد الحميد، معظمها أصبح داخل الحدود، والباقي لا يمكن زراعته بسبب الإسرائيليين واليونيفيل».