مهى زراقطكيف ينظر، من نسمّيهم أطفال الشوارع، إلى أنفسهم؟
هذا السؤال هو أحد أبرز محاور الدراسة الوطنية التي أعدتها الباحثتان جميلة خوري وماريز جمعة في إطار بحث استكشافي لواقع هؤلاء الأطفال الذين نراهم يومياً في الطرقات، ونتعامل معهم، بدورنا، بناءً على صورة رسمناها لهم. محاولة تحديد معالم هذه الصورة، مثّلت محور سؤال آخر طُرح على 41 شخصية تُعدّ مرجعية في التعامل مع أطفال الشوارع. السؤال كان: «كيف تحدّدون هوية أطفال الشوارع؟».
الإجابة عن هذين السؤالين، وغيرهما، تمثّل نتائج الدراسة الوطنية عن أطفال الشوارع، التي أعدتها وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع المجلس العربي للطفولة والتنمية ومجلس الأبحاث في الجامعة اليسوعية وأطلقتها أمس خلال ندوة نظمت في الكلية الطبية في جامعة القديس يوسف. وقد عرضت خلالها الباحثتان خوري وجمعة خصائص أطفال الشوارع.
كشفت الدراسة أن الأطفال الـ34 الذين استجوبتهم اتفقوا على رفض وصفهم بعبارة «أطفال الشوارع»، مؤكدين أنهم «أولاد عالم». العبارة الأخيرة تكررت 68 مرة في 18 مقابلة، تؤكد خوري. برأيهم، «أطفال الشوارع» هم البدو الرّحل، أما هم، فنزولهم إلى الشارع سببه مشاكل عائلية. يقول أحدهم: «أهلي ما بدن ياني ضل بالبيت». ويقول آخر: «أنا وصغير أمي تركت البيت وراحت عند أهلها». هكذا، يكون وجودهم في الشارع وسيلتهم ليصبحوا رجالاً، كما يمكن الفهم من خلال إجابتهم: «الشارع للرجال».
أما الشخصيات المرجعية، فقد اتفقت على اعتبار هؤلاء الأطفال «وباءً خطيراً ينذر بنشوء جانحين من بين مجهولي الهوية المخالفين للقانون والبدو والأجانب من دون أوراق ثبوتية وبعض اللاجئين». ورأت هذه الشخصيات (تتألف العيّنة من ممثلي بلديات وقوى أمنية، عاملين اجتماعيين ومندوبي مؤسسات متخصصة) أن هؤلاء الأطفال لا يملكون نظرة إلى المستقبل.
هذا ما لا يوافق عليه الأطفال الذين عبّروا عن مخاوف كثيرة، مرتبطة بالحاضر والمستقبل أيضاً. يقول أحدهم: «بخاف ضلّ شحاد كل عمري». ويكشف آخر أنه يملك 500 ألف ليرة لبنانية «وسأبقى أجمع المزيد حتى أشتري بضاعة وأبيعها، بعدها أتزوج».
لتحقيق هذا الحلم، يحتاج هذا الطفل إلى البقاء في الشارع لجمع المزيد من المال. لكن الأمر لا يخلو من مخاطر يختصرها الأطفال بـ«الخوف من ربّ العمل، الخوف من القوى الأمنية خصوصاً إذا كان الطفل فاقداً للأوراق الثبوتية، أو إذا كان يزاول عملاً غير قانوني». نوع آخر من المخاوف يكمن مع حلول الليل: «الكلاب والاعتداءات الجنسية».
تكشف الدراسة إذاً الهوة الكبيرة بين الصورة التي يرى فيها الأطفال أنفسهم، والصورة التي يراهم عليها من يفترض بهم معالجة أمورهم. المرجعيات الاجتماعية والأمنية تنطلق في مقاربتها من هواجس أمنية. لذلك تحاول الدراسة، في معرض تقديم بعض الاقتراحات، الإشارة إلى أهمية الحصول على رؤية واضحة وعلمية وواقعية عن طفل الشارع.


دراسة غير تمثيلية

أكدت الباحثتان خوري وجمعة أن الدراسة غير تمثيلية ولا تعني إلا الأطفال الذين استُطلعت آراؤهم. لكن النتائج يمكنها أن تدلّ على حالة الأطفال الذين قدّرت الدراسة عددهم بـ250. «يرجّح أنهم ربع العدد الفعلي» تقول خوري.
وقد طالت الدراسة عيّنة مؤلفة من 34 طفلاً: 10 منهم موجودون في مؤسسات متخصصة برعايتهم و24 في الشارع. كذلك استطلعت آراء 41 شخصاً من المهتمين بالموضوع.
يذكر أن التعريف الذي أطلقته المنظمة لأطفال الشوارع هو المعتمد من الأمم المتحدة: «أي صبي أو فتاة (...) اتخذ الشارع بالمعنى الواسع للكلمة (...) مسكنَه الاعتيادي و/أو مصدر قوته، من دون حماية ورعاية، وإشراف من شخص راشد ومسؤول».