فادية حطيط «لارجان فيتو» أو المال يعمل كل شيء. لطالما أعاد أبي علينا هذه العبارة باللغة الفرنسية التي يعرف منها بعض العبارات. ومع أنه يكررها دائماً فلا أعرف إن كان عمل بموجبها في حياته أو بالعكس تصرف على النقيض منها. وأفكر الآن أنها عبارة محيرة. لأنها تعني أن أخبئ المال لأني سأحتاج إليه حين تصعب علي الأمور وتعني كذلك أن أصرفه فوراً، لأن هناك أموراً كثيرة يجب أن تعمل الآن وفوراً. فكيف يمكن للمرء أن يقوم بذلك حين يكون ما يحصل عليه لا يكفي لما يحتاج إليه؟ وكان يجدر بأبي ألا تأخذه حماسة اللسان الأعجمي فمن الأنسب لو كرر عبارة ملائمة أكثر لواقع الحال، كأن يقول باللغة العربية الصافية «خبئ قرشك الأبيض ليومك الأسود»، مع أني الآن أفكر أيضاً بأنها عبارة ليست أفضل من الأولى ولا فائدة لها سوى في أن تساعد كبار السن لكي يبدوا أكثر نجابة حين يقولونها للأصغر منهم. فكيف سيخبئ المرء أيضاً قرشه الأبيض ليومه الأسود، حين هو لا يكفي في الأصل يومه الأبيض؟
يعرف الذين عاشوا في بيوت لم يجر فيها مال وفير، أن القروش تغدو أكثر لمعاناً. وهي كما كل الأشياء اللامعة يمكن أن تصبح حلماً كما قد تصبح كابوساً. طبعاً يتعلق الأمر بشدة الحاجة إليها ولكن أيضاً بذلك التدبير الذي نجده جلياً عند بعض الناس دون غيرهم. ويبدو أن النساء تلعب في الحالات التي يشح فيها المال دوراً أكثر فاعلية من دورها في الحالات حيث يفيض المال. وكثيرة هي الحكايات عن نساء متدبرات مقتصدات استطعن إدارة دفة الأسرة بنجاح وقت الشدّة. ولكن الشيء المثير الذي بيّنته الدراسات، أن النساء حتى وهن في حالة ضيق لا ينسين أن وظيفة المال ليست فقط مادية، بل له وظيفة اجتماعية تقوم على نسج علاقات اجتماعية دافئة. فهن يدخرن بعض فلوسهن للإتيان بهدية أو المشاركة في مناسبة اجتماعية، ويطلق على هذا النوع من التصرف الرأسمال الاجتماعي. وتؤكد هذه الدراسات أيضاً أن القرش في يد امرأة يصرف على عدد أشخاص أكبر مما هو بيد رجل، كما أن العائد منه عليها شخصياً أقل مما هو على الرجل. وبديهي أن الأبناء هم أول المستفيدين من تدبير النساء.
أما لماذا يكون شحّ المال سبباً لمشاعر الحرمان حيناً ودافعاً للتحصيل حيناً آخر، فهذا يعود إلى مدى نجاح الأهل، وخصوصاً الأم، في إدارة المال القليل. فإما أن قلة المال أدت إلى ابتكار أساليب ناجحة ووضع سلّم أولويات وتصرف عقلاني، يجعل الأولاد يتعلمون أن المال وسيلة توظف لأغراض تتخطى حيازته، وفي هذه الحالة يقلد الأطفال أهلهم في فكرة النجاح وتخطي الصعوبات ويتصل بعد ذلك بما هو حلم. وإما أن قلة المال تسبب مشاعر بؤس وعجزاً لدى الأهل، وهي المشاعر التي تنتقل للأطفال وتتحول إلى كابوس. لا يولد الأطفال أغنياء أو فقراء بل يتعلمون أن يكونوا كذلك. فمنهم من كانت لعبة بلاستيكية صغيرة سبباً لشعورهم بالامتلاك، ومنهم من كانت خزائنهم ملأى وهم يطلبون المزيد. وإن أردنا أن نعرف السبب، فلنقرأ في كتاب الأم.