«لا تولد واحدتنا امرأة بل تصبح كذلك»، لا تزال الجملة التي كتبتها سيمون دو بوفوار في كتابها «الجنس الثاني» تمثّل جزءاً من قناعة النساء بشأن هويتهن الجنسية. ورغم خفوت صوت الحركة النسوية، والشعور بأن الأسئلة المتعلقة بحقوق المرأة تراجعت لمصلحة الاستسلام لسطوة نماذج المثال الجمالي الأوحد، والسلوك الأنثوي المنمّط، فإنّ المرأة حققت حضوراً متعاظماً في سوق العمل والمجتمع والأسرة

مرّ 8 آذار، لكن الكلام والأسئلة عن المرأة، وضعها، وواقعها، لا تزال تشغل البال. إنه سؤال عالمي، في لبنان تنبّهنا إلى أن قليلات من الجيل الجديد يُعرن الحركة النسوية اهتماماً كبيراً، والسؤال عن تعريف للمرأة يلقى إجابات غامضة. مجلة «بسيكولوجي» الفرنسية نشرت آراء باحثين ومتخصّصات في علم النفس وعلم الاجتماع ومشتغلات في الموضة، كلهم أجابوا عن سؤال «أن تكوني امرأة، ما معنى ذلك؟».
تحدث البعض عن «المرأة الخارقة»، مؤكدين أن المرأة العصرية هي إنسان يقوم يمهمات متعددة، تيري دو غانزبورغ صاحبة دار لتصميم أدوات التجميل وبيعها، تقول «المرأة اليوم هي superwoman لا ترتاح، لا تنسى أبداً أن الأمر الاكثر أهمية هو أن تكون سعيدة ومتصالحة مع نفسها»، وهو الكلام الذي يتناغم مع تعريف الكاتبة إيليت أيبيكاسيس التي تؤكد «أن تكوني امرأةً اليوم يعني أن تكوني حاضرة بقوّة في المجتمع، وأن تؤدّي دور المرأة أداءً تاماً على كل الجبهات، في مكاتب العمل وصالات الاجتماعات، وراء عربة الطفل ومقود السيارة، أن تكوني امرأة يعني أن تواجهي تحدي التعددية في المهمات. عبر التاريخ لم تكن المرأة مثيرة للاهتمام كما هي اليوم، إنها جميلة، متعددة، حساسة...»، وهنا تتدخل فلورانس سيستاك، رسامة ومؤلفة قصص مصوّرة، وتقول: «أن تكوني امرأةً اليوم يعني أن تجيدي القيام بكل شيء، الانخراط في سوق العمل، الاهتمام بالأولاد، التحكم في الكمبيوتر والسيارة... أما الرجال، فإنهم يبدون مستقيلين من هذا النشاط المتعدد التوجهات».
تتوالى التعليقات التي تنظر إلى المرأة في يومنا هذا ككائن متعدد الأعمال والاهتمامات والمهمات، كارول دوفال لوروي، سيدة أعمال، تقول «أن تكوني امرأة شيء أشبه بوظيفة لا راحة منها، عمل يستمر 24 ساعة يومياً، إننا نتعلم ونعمل كالرجال، نحن أمهات نعطي الاهتمام الكبير لأولادنا ونعوّض غيابنا عنهم (للعمل) بنشاطات مختلفة نتشارك فيها معهم. المرأة اليوم رفيقة حنون، أنثى غير متشبثة بالمطالب النسوية، ووسط كل الانشغالات والمهمّات، تجد المرأة العصرية الوقت لتهتم بنفسها، وتبحث عن بعض الوقت كي لا تنسى أن تبحث عن ذاتها... وإذا كانت المرأة هي مستقبل الرجل، فسيلزمها الكثير من الحب والطاقة لكي تنجح في تحقيق هذا التحدي».
هل تخلّصت المرأة، في الدول النامية خصوصاً، من عبء ما ورثته من الأجيال السابقة؟ من صورة المرأة الخاضعة؟ جيزيل لينابيرث معالجة نفسية، في شهادتها نقرأ «أن تكوني امرأة يعني أن تقتربي كل يوم من حلم النساء، أن نعرف كيف نقيم التوازن بين الإرث الثقيل الذي نحمله من الماضي من جهة، والتعبيرات الاجتماعية العصرية، على المرأة أن تعرف كيف تربي رجل الغد، أي الرجل الذي سيسهم في تطوير العالم». أما المعالجة النفسية، كلوي كلون تريست، فتقدّم إجابة صالحة لكل الأزمنة «المرأة هي القادرة على إعطاء الحياة، أن تكوني امرأة يعني أن تعرفي كيف تحبين». وهو كلام يلتقي مع ما يعلنه الباحث جو دولافون «المرأة تعلّمنا دون قصد منها، أهمية التسامح والانفتاح على العالم، تعلّمنا كيف نستمع إلى الآخرين دون إطلاق الأحكام، تعلّمنا العطاء دون انتظار أي مقابل».
بعيداً عن الصورة المثالية للمرأة ثمة شهادات تذكّر بها كإنسان له هوية جنسية مهمة في تحديد بعض خياراته. المعالجة النفسية المهتمة بشؤون الأزواج صوفي كادالين تكتب «أن تكوني امرأة هذا يعني بالدرجة الأولى أنك كائن له هوية جنسية تحدده، ولكن كيف يجري هذا التحديد، إنه السؤال الذي يجدر بكل امرأة أن تبحث عن إجابة له بغضّ النظر عما تقوله الأخريات، فكل امرأة تتمتع بالقدرة على الابتكار والخلق وحدها».
قليلة هي الشهادات التي تسلّط الضوء تسليطاً مباشراً على دور المرأة «التنموي»، الكلام يرتكز على تعدد مهماتها دون تحديد دورها في التطور العالمي على أصعدة مختلفة، هنا تكتب الباحثة الفرنسية مود فونتونوي «النساء هن صانعات التنمية المستدامة، في قلوبهن يحملن حلم الحفاظ على كوكب الأرض وحمايته من الأخطار البيئية المحدقة بنا».
في الختام، قد تكون شهادة كلود سوزان ديديرجان جوفو، المهتمة بشؤون الموضة، أكثر ما يلفتنا إلى اعتزاز أنثى بهويتها كامرأة إذا تقول «شعرت دائماً بأنني صاحبة حظ كبير لأنني ولدت امرأة، أحببت دائماً كل ما تختلف به الأنثى عن الرجل، أعني الدورة الشهرية، القدرة على الحمل، الولادة، الرضاعة...».
(الأخبار)


أسئلة مؤجلة

الشهادات التي جُمعت رداً على سؤال «ماذا يعني أن تكوني امرأة؟» تلفتنا إلى عدة أمور، أولها الاهتمام الذي توليه نساء غربيات لهوية المرأة ولمكانة المرأة العصرية، وهو اهتمام يُترجم من خلال الكتابات والأبحاث عن أحوال النساء في هذا العصر.
ونتنبّه أيضاً إلى أن تعريف المرأة يدور حول أمرين: قدرتها على المحافظة على دور محوري داخل الأسرة، بل إنها تقوم بدور متعاظم في هذا الإطار (كما هي حال المرأة اللبنانية)، وتقدمها في سوق العمل.
إنها صاحبة المهمات المتعددة، هذا التعريف لم سُدرس، لم يُعلّق عليه، حتى ليتساءل القارئ لماذا لا يجري التركيز على الأثمان التي تدفعها المرأة ما دامت تقوم بأعباء كبيرة؟ وهل تمكّنت المرأة ـــــ على المستوى العالم ـــ من اكتساب حقوق توازي تقديماتها؟