مهى زراقط«هذا بلد لا أحد يسمع فيه». تقول راهيل هذه العبارة بصوت مرتفع، لكنّ وقعه يبقى أقرب إلى الاستغاثة منه إلى الصراخ. الفتاة الإثيوبية حلّت ضيفة جديدة على اللقاء التحضيري لنشاط يضيء على وضع العاملات الأجنبيات في لبنان، بالتزامن مع يوم المرأة العالمي الذي يصادف في الثامن من الجاري. هذا الاجتماع هو الثالث الذي تدعو إليه «مجموعة الأبحاث للتدريب والعمل التنموي» لبحث الموضوع نفسه. وكالعادة، كلما حضرت فتاة جديدة اجتماعاً مماثلاً للمرة الأولى، يكون الحاضرون على موعد مع شهادات حية لانتهاكات تمارس بحق هذه الفئة من العاملات في لبنان. راهيل، التي عرضت لعدد من القصص المحزنة والمؤسفة، وجدت طرفاً واحداً تصب عليه غضبها: «السفارة التي لا تسأل عنّا». وتطالب بأن تكون سفارات الدول التي تأتي منها عاملات الخدمة المنزلية هدف التحرّك.
إلا أن ممثل «هيومن رايتس ووتش في لبنان» نديم حوري يرفض الفكرة، ويقنع راهيل بقوله إن «السفارة مطالبة بالتأكيد بأن يكون دورها أكثر إيجابية، لكن مسؤولية تحسين أوضاعكن تقع على عاتق الدولة اللبنانية. التغيير يجب أن يبدأ من لبنان». لم تكن هذه المحاولة الأولى لتصويب النقاش الذي استمرّ أكثر من ساعتين أمس في البيت العلماني. فقد طرحت عشرات الأفكار التي كانت تلقى تجاوباً من البعض ورفضاً من البعض الآخر لأسباب كانت ترتبط غالباً بالطريقة التي ستصل فيها الرسالة. ويمكن القول إن لقاء الأمس يمثّل مادة جيدة لكلّ راغب في البحث عن علاقة أفضل بين المجتمع المدني ووسائل الإعلام من جهة، والفئات الراغبة في التحرّك (العاملات مثلاً) في مواجهة أصحاب القرار (أرباب العمل) من جهة ثانية.
الفكرة الأولى التي طرحت من ممثلة جمعية «كفى عنف واستغلال» كانت وضع نماذج لشهود صامتين تسجل على كل منها قصة عاملة أجنبية توفيت في لبنان. رفض البعض الفكرة لأنها تحيل الاحتفال بيوم المرأة إلى مناسبة حزينة وتظهر المحتفلين بصورة الضحية. دافعت نعيمة عن الفكرة، «نحن لا نجعل منهنّ ضحايا، هنّ ضحايا بالفعل».
أنجيلينا، السودانية الجنسية، رحبت بفكرة تكريم هؤلاء العاملات اللواتي يأتين من بلادهن للعمل وتأمين لقمة العيش لعائلاتهن. أما جاين فقد رحبت بفكرة قيام العاملات بتوزيع ورود على المارة على الكورنيش البحري بحيث يكون النشاط احتفالياً من جهة، وتطرح خلاله قضية العاملات من جهة ثانية.
وقد لقيت هذه الفكرة ترحيب الغالبية التي حضرت اجتماع الأمس، وخصوصاً أن إمكان تطبيقها كان الأسهل، إذ لم يعد هناك متسّع من الوقت لترتيب نشاط أكبر يتزامن مع 8 آذار. لكن هذه الفكرة لم تبتّ بسبب تزامنها مع نشاط آخر تنوي جمعية «feminist coalition» إقامته في المكان نفسه. فكان إجماع على عدم جدوى إقامة نشاط للعاملات الأجنبيات تحت مظلة نشاط آخر، ما يهدد بتشتيت الاهتمام بصرخة العاملات الأجنبيات.
في الختام أُجّل بتّ موضوع التحرّك إلى اليوم، إذ يعقد اجتماع مماثل عند الساعة السادسة مساءً في مقهى «ة مربوطة» بالحمرا. وقد طلبت رولا المصري (CRTD) من المشاركات تحديد فكرة عملية تُناقَش، والاتفاق على آليات تنفيذها على أن تلبي عدداً من الشروط، أبرزها إيصال صوت العاملات الأجنبيات والتأكد من أن هذا النشاط سيحظى بإضاءة إعلامية مناسبة.