يفتقر أهالي بلدة دورس منذ 30 عاماً إلى مياه الشفة التي توفّرها لهم الصهاريج لقاء مبلغ مالي بات يمثّل عبئاً عليهم. ورغم مرور عقود على هذه المشكلة، بقيت الحلول التي اعتُمدت دون المستوى، ففي مرحلة أولى مُدَّت الأنابيب لجرّ المياه من بعلبك التي تعاني شحّاً، وفي مرحلة ثانية، تعود إلى عام 2001، حُفرت بئر ارتوازية ما زالت حتى اليوم تنتظر تمديدات توصل مياهها إلى البيوت
علي يزبك
تبدو الصهاريج المخصصة لنقل مياه الشفة جزءاً من المشهد العام اليومي لبلدة دورس. فهي تعبر الأحياء طوال النهار، ذهاباً وإياباً، لتوفير المياه لأكثر من 1500 وحدة سكنية، إضافة إلى عشرات المدارس والمستشفيات والمؤسسات التجارية والصناعية. فالصهريج هو الوسيلة الوحيدة المتاحة لتوفير المياه، وقد اعتاد أهالي البلدة سماع أصواتها «التي باتت مألوفة لنا» كما يقول ابن البلدة حسين الطفيلي. ويتذكر الطفيلي، وهو مدرّس، أن معاناة بلدة دورس مع شحّ المياه تعود لثلاثين عاماً إلى الوراء: «منذ جفّ النبع الكائن في الطرف الشرقي للبلدة ونحن نشتري مياه الشرب التي باتت تحتاج إلى موازنة خاصة بها»، ذلك أن «سعر نقلة المياه وصل أخيراً إلى عشرين ألف ليرة لبنانية، ويحتاج كلّ منزل إلى نقلتين أسبوعياً في الشتاء، وثلاثة في فصل الصيف، ما يعني مصروفاً إضافياً خاصاً، يضيفه الأهالي إلى سلة حاجاتهم الأساسية».
اللافت أن شحّ المياه هذا لم يحل دون توسعة دورس العمراني، فقد أسهم وقوعها عند المدخل الجنوبي لمدينة بعلبك في إقبال الناس على السكن فيها، بحيث مثّلت امتداداً طبيعياً لمدينة الشمس. وساعدت طبيعة أرضها السهلية، والمفروزة عقارياً، في تحوّلها إلى متنفس لبعلبك، فبُنيت فيها أحياء سكنية وفتحت عشرات المؤسسات التجارية فروعاً لها فيها في فترة قياسية برغم هذا العطب البنيوي. ربما لذلك، اندفع عدد من الميسورين لأيجاد حلّ لمشكلة شحّ المياه وعدم وجود شبكات لها من خلال حفر عدد من الآبار. وبات بعض أصحاب هذه الآبار يعمدون إلى بيع المياه لأهالي البلدة. أما الفقراء، فما عليهم سوى شراء المياه بانتظار انتهاء العمل بـ«المشروع الموعود»، كما يسمّون هنا مشروع شبكة المياه، «الذي بدأ العمل به في عام 2001 ولم ينته حتى اليوم»، بحسب التاجر قزحيا الحوراني. يضيف بلهجة غاضبة: «تسير المشاريع عندنا بسرعة السلحفاة، ولا تصل في النهاية إلى خواتيمها إلا مبتورة أو مجتزأة في ظل غياب التخطيط».
ويذكر الحوراني كيف أن العمل بدأ في عام 1998 على مشروع مدّ شبكة مياه للبلدة «على أن تُربَط بمدينة بعلبك بناءً على مشروع عُرف في البلدة باسم مشروع الزاخم. وقد مُدِّدت الشبكات الرئيسية له. بعد ذلك، ألحق به مشروع آخر يهدف إلى تمديد أنابيب وتوصيلات منزلية، لكن هذه الأنابيب لم تعرف المياه يوماً، وبقيت فارغة لأن بعلبك غير قادرة عملياً على إعطائنا قطرة مياه واحدة». يتابع الحوراني، الذي يبدو متابعاً للملف، قائلاً إن «بعلبك واقعة تحت عجز كبير، لذلك بدا أن التوجّه الأمثل هو لحفر بئر خاصة في دورس نفسها، وهذا ما تم فعلاً في عام 2001 بمساعٍ من المجلس البلدي. إذ قامت وزارة الطاقة والمياه بحفر بئر بعمق خمسمئة متر، وعثر على كميات كبيرة من المياه الجوفية التي تكفي القرية، لكنها إلى اليوم ما زالت في باطن الأرض بانتظار مشروع جديد لإخراجها إلى السطح».
ويؤكد أمين سر بلدية دورس علي شحادي أن ملف تجهيز البئر، بالإضافة إلى بناء خزان للمياه، جاهز للتلزيم في وزارة الطاقة والمياه وينتظر الإجراءات الإدارية. يضيف: «إن بلدية دورس قدمت قطعة أرض في أطراف البلدة لبناء خزان المياه لأنه لا يمكننا ضخّ المياه من البئر مباشرة إلى الشبكة، لكن الإجراءات الإدارية والتعقيدات أخّرت التنفيذ ونحن بانتظار طرح هذا المشروع الحيوي على التلزيم».
وفي محاولة منها لخفض سعر صهريج المياه، عمدت بلدية دورس إلى تركيب مضخة صغيرة على البئر التي تنتظر من يخرج المياه منها، وسمحت لأصحاب الصهاريج بتعبئة المياه مجاناً منها لإيصالها إلى المنازل، على أن يتقاضى صاحب الصهريج بدل كلفة النقل فقط. ورأى شحادي أنّ من شأن هذا الإجراء التخفيف قليلاً عن كاهل المواطن، من دون أن ينفي أنّ هذا الحل «مؤقت في انتظار أن تعطف علينا الدولة وتنجز مشروع مياه الشفة».