صيدا ــ خالد الغربي«رزق الله على انتخابات أيام زمان في صيدا». تتكرّر هذه العبارة على ألسنة كبار السن من رواد مقهى البحر في صيدا وهم يشرعون دفاتر ذكرياتهم ودورهم في المعارك الانتخابية التي خيضت في صيدا قبل نصف قرن وأزيد، في حمأة الصراع التنافسي بين قطبي المدينة المتنافسين آنذاك، أي الراحلَيْن معروف سعد ونزيه البزري.
حلاوة المعركة كما يصوّرها أبطالها آنذاك لا تكمن فقط في التخندق الصافي وغير المصلحي مع هذا أو ذاك، بعيداً عن لعبة التحريض والمال الانتخابي، بل في بدائية عدة الشغل التي لم تكن خبيثة بقدر ما كانت طريفة. فمثلاً مقولة «منحبّوش منحبّوش أقرع من تحت الطربوش» التي صيغت ضد أحد قيادات تلك المرحلة المتحالف مع بعض أطراف النزاع الصيداوي، كانت ترفع من حجم الناخبين في هذا الاتجاه أو ضده، كما يحدثنا رواد المقهى.
ويمايز الحاج محمود المصري بين انتخابات زمان واليوم: «كان إلها طعمة مش متل هلّق كل شي فلوس ومصاري». ويتذكر المصري شعارات تلك المرحلة مثل «ضد الرجعية، من اشتراك باعك، لا تنسى من خانوك ومن باعوك، فاتح باب الحرية».
يجمع رواد المقهى على وجود فرق شاسع بين زعيم اليوم وزعيم الأمس: «كانت الزعامة تبنى على أساس المبادئ والاهتمام بقضايا الناس. أما اليوم، فواحد مش معروفة قرعة بيّو ممكن يجيب شوية مصاري ويشتري كرسي النيابة بمصرياتو»، يقول أبو محمد البزري أحد أنصار النائب الراحل نزيه البزري. ويشير إلى «أن المعارك القاسية التي كانت تندلع بين نزيه ومعروف كانت تنتهي بعد إعلان النتائج، فتهدأ النفوس ويتصالح الناس».
ويروي أحدهم «أن شخصاً من آل طرحة جاء ذات يوم إلى معروف سعد وأقسم أمامه أنه سمع حمامه الزاجل الذي يربّيه يهدهد باسم معروف سعد وسرب الحمام يصدح جماعياً وكل يوم «معروووف».
بعد المعركة يحين وقت إيفاء النذور، كما هي الحال مع «أبو أحمد الحتحوت»، الذي رمى يمين الطلاق على زوجته إذا لم يحالف الحظ مرشّحه إلى الانتخابات، وهو ما حصل، «فطلّقتها للمسكينة، علماً بأنها من جماعتنا وبتصوّت متلي، استمر الطلاق أسبوعاً ثم عقدت قراني مجدداً عليها».
أما أبو سمير، فقد كان فوز معروف سعد يكلّفه كثيراً، لأنه كان يقسم اليمين أنه «إذا الله وفّقنا وربح معروف» فسيوزع غلّة السمك التي يصطادها لمدة عشرة أيام مجاناً «حلوينة الفوز».