لم تبدأ المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عملها جدياً بعد، ويبدو أنّ إجراءات قاضي ما قبل المحاكمة تواجه عقبات تتعلق بالالتزام بالمعايير العدلية المنصوص عليها في النظام الأساسي للمحكمة وقواعد الأدلة والإجراءات. لكن «نكسة» أخرى تواجه إدارة المحكمة، وهي استقالة مسجلها روبن فنسنتعمر نشابة
قدم مسجل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان روبن فنسنت استقالته من منصبه، على أن يستمر تسيير شؤون العمل حتى حزيران المقبل. ولم يوضح بيان صادر عن المحكمة أسباب الاستقالة. ولم تتضح حتى ساعة متأخرة من مساء أمس ما إذا كانت هناك علاقة بين استقالة فنسنت، واحتمال إطلاق الضباط الأربعة الموقوفين في مهلة أقصاها السابع والعشرون من الشهر الجاري. وتجدر الإشارة إلى أن صلاحيات مسجل المحكمة تضعه في مستوى مدير لها، إذ إنه يشرف على جميع الشؤون الإدارية والمالية فيها. كذلك فإنه كان مسؤولاً عن جميع الإجراءات التحضيرية لإطلاق المحكمة، وجرى في عهده وضع نظام الأدلة والإجراءات، أي قانون أصول المحاكمات في المحكمة الخاصة بلبنان. ويذكر أن خلافات وقعت سابقاً بين فنسنت والمدعي العام الدولي دانيال بلمار على خلفية ميزانية مكتب المدعي العام وشؤون إجرائية أخرى.
استقالة فنسنت ليست القضية الوحيدة التي تعرّض المحكمة للاهتزاز. فإضافة إلى عدم ملء جميع الوظائف الشاغرة فيها وغياب فريق ترجمة قادر على التواصل مع الجمهور اللبناني باللغة العربية، يصطدم قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرنسين بأربعة تحديات رئيسية تتعلق ببتّ مصير الضباط الأربعة المعتقلين في لبنان.
وكان فرانسين قد وجه أخيراً أمراً إلى المدعي العام الدولي دانيال بلمار يدعوه إلى تقديم طلبٍ معلّل بشأن استمرار احتجاز الأشخاص الموقوفين في لبنان أو إنهاء ذلك الاحتجاز في موعدٍ أقصاه 27 نيسان 2009 ظهراً. وذكر البيان الرسمي الصادر عن المحكمة أن فرانسين «وضع نُصب عينيه، في تحديد تلك المهلة الزمنية، المبدأ الأساسي القاضي بضمان محاكمة عادلة، والطبيعة الخاصة لهذه القضية». وأضاف البيان، في ما يبدو محاولة لتبرير بعض التجاوزات «أن قضية الحريري تثير جملة من الصعوبات ذات الصلة بالإرهاب، وأن السجلات القضائية الخاصة بالقضية تتميز بالتعقيد وضخامة حجم الوثائق». وكانت السلطات اللبنانية قد أحالت على بلمار يوم 10 نيسان 2009 نسخة عن تلك السجلات ذات الصلة بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
واستناداً إلى مضمون نصّ قواعد الإجراءات والأدلة، وإلى مبادئ العدالة ومعايير حقوق الإنسان الدولية المشار إليها في القاعدة الثالثة فيها، يبدو أن عملية بتّ قاضي الإجراءات التمهيدية في توقيف أو إخلاء سبيل الضباط الأربعة تواجه أربع عقبات يُرجّح خبراء قانونيون أن فرانسين سيتمكّن من تجاوزها.
العقبات الأربع
أولاً، إن السجلات القضائية التي أرسلها القضاء اللبناني إلى المدعي العام الدولي في 10 نيسان هي حصيلة عمل أكثر من 3 سنوات ونصف من التحقيقات الجنائية، وهي تتضمّن نحو 21 ألف صفحة، فيما يفوق حجم المحضر الأساسي ألف صفحة. وأشار فرانسين إلى أن معظم النصوص باللغة العربية، بينما لا هو ولا المدعي العام بلمار يتقنان اللغة العربية. وبالتالي، لا شكّ في أنّ من المستحيل على بلمار الاطلاع والتدقيق في كامل مضمون السجلات خلال المهلة التي حدّدها فرانسين. إذاً سيُبَتّ الأمر من دون اطلاع المحكمة الدولية الخاصة للبنان على التحقيقات اللبنانية بدقة. يعني ذلك أن فرانسين يخالف القرار الذي كان هو قد اتخذه في 27 آذار والذي أمر من خلاله باحتجاز الضباط إلى حين بتّه الأمر على أساس معطيات التحقيق اللبناني من جهة، ومعطيات التحقيق الدولي من جهة ثانية.
ثانياً، رغم التبريرات التي ذكرها فرانسين وتبريرات أخرى، وهي أن بعض المحاكم الخاصة مثل كمبوديا كانت قد أوقفت أشخاصاً لمدد طويلة قبل اتهامهم أو إصدار الأحكام بحقّهم، فإن اعتقال أشخاص لثلاثة أسابيع من دون إصدار مذكرة توقيف بحقهم يعدّ دون أدنى شكّ تجاوزاً واضحاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان ومبادئ العدالة. وهو أيضاً مخالف للقانون اللبناني، ما يدعو إلى التساؤل عن انصياع السلطات القضائية والأمنية اللبنانية لأمر فرانسين ويفتح المجال واسعاً أمام الشكّ بضغط سياسي في قضية عدلية.
ثالثاً، إن المعايير الحقوقية الدولية التي أشار إليها فرانسين في نصّ مذكّرته إلى بلمار تفترض أن يكون القاضي الذي يأمر باحتجاز أشخاص على اطّلاع بخصوصيات المكان حيث سيحتجزون. لكن فرانسين لم يسأل عن ظروف السجن المركزي في رومية، بحسب ما أكده مسؤولون أمنيون وقضائيون لبنانيون.
رابعاً، لم يحدّد فرانسين الجهة المسؤولة عن أمن الضباط الأربعة وسلامتهم أثناء احتجازهم، علماً بأن أي نص قانوني لا يحدد الجهة المخولة حماية الضباط.


ذكر وزير العدل إبراهيم نجار أمس أن المدعي العام الدولي كان قد طلب مهلة 21 يوماً لبتّ مصير الموقوفين، «ورد عليه قاضي الإجراءات التمهيدية بإعطائه مهلة أقل». ولفت نجار إلى أن بإمكان «المدعي العام أن يطعن في قرار القاضي خلال 24 ساعة، والموقوفين خلال أسبوع».
(أ ف ب)