رنا حايكالشاشة حمراء. الدماء تفيض من أوراق الصحف. الرفاق يتبارزون في المقهى باستعراض الحزن أو عضلات النقاش وكأنهم يمتلكون الكلمة الفصل. مرة تلو مرة تلو مرة. المشاهد ذاتها والانفعالات ذاتها تتكرّر. الأمهات يبكين على الكنبة، الوالد يتابع نشرة الأخبار بصمت، الحكام يشجبون ويدينون ويسافرون لحضور قمم لا تفضي إلى شيء، بينما تشرد وأنت تتذكر صديقك الذي زيّن جدار غرفته بصور متراصة لهم اجتهد في جمعها من قصاصات الصحف وكتب فوقها بالخط العريض «ويخلق الله ما لا تعلمون». تستسلم للنعاس وأنت تحتضن جهاز الراديو ذات ليلة من آب 2006 بانتظار إعلان وقف إطلاق النار مع بزوغ فجر تأخّر. مشهد قد يتكرر في أي لحظة.
كم من القرابين على هذه الأمة أن تقدم حتى تنال الحق في الحياة؟ كم من مكتسبات عسكرية على الأرض يحق للسياسيين هدرها في مؤتمرات السلم غير المشروط؟
مرة تلو مرة تلو مرة. يفجعنا هول المجزرة في الأيام الأولى من «البث المباشر»، نخجل من الاعتراف بضيق خلقنا إزاء استمرارها، ومن الإحساس بالعجز الذي يتملّكنا أمامها، نستعجل مشهد النهاية وإعلان أسماء الأبطال على الشاشة قبل أن تتبلّد أحاسيسنا. ثم، بين المجزرة والأخرى، نقتنص فرصة للاستراحة.
مرة تلو مرة تلو مرة.
كثرت المجازر حتى أصبحنا مضطرين لترقيمها: قانا 1 وقانا 2. مجازر كثيرة غيرها سقطت سهواً. لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة.
من يعلم كم غزة تنتظرنا؟