فيما يشهد المسرح العالمي تسابقاً بين دول عدة في مجال استعراض قدراتها الفضائية (آخرها تجربة كوريا الشمالية قبل أيام)، أشارت دراسة جديدة أجراها باحثون من جامعتي كاليفورنيا وكولورادو إلى أن السوق العالمي المتعلق بإطلاق الصواريخ بات يتطلّب تنظيماً أكثر صرامة للحؤول دون تدهور إضافي يطرأ في العقود المقبلة على وضع طبقة الأوزون.

روني عبد النور
الدراسة التي موّلتها مؤسسة العلوم الوطنية ووكالة الفضاء الأميركية «ناسا» ونُشرت أخيراً في مجلة Astropolitics، قدّمت تحليلاً تقديرياً بناءً على استشراف آفاق النمو المتوقع الذي ستشهده صناعة الفضاء. وذكرت أن الضرر الذي سيلحق بالطبقة جرّاء الإطلاق غير المنظّم للصواريخ في المستقبل، يمكن أن يتخطى ما أحدثه الكلوروفلوروكربون من أثر مدمّر على مر سنوات طويلة. من المعلوم أن إطلاق الصاروخ يُعدّ المرحلة الأولى من المهمة الفضائية المنوط به تنفيذها، سواء كانت مهمة مدارية أو خارج مدار الأرض. وتجري عملية الإطلاق إما من قاعدة ثابتة أو متحركة، وإما من موقع بحري أو جوي على غرار الطائرات (X-15) والمناطيد (مشروع دافينشي قيد التطوير). وتعتمد تكنولوجيا إطلاق الصواريخ على مجموعة من العوامل التي تأتي في مقدمتها أنظمة التحكم بالاشتعال، ومحطات المراقبة الأرضية، وقواعد الإطلاق، ومحطات التعقّب. وأثناء مرحلة الصعود، تحصل عملية الاستدارة التي تمكّن الصاروخ من الانحراف لكي يصل إلى الانحناء المداري المطلوب.
لا تزال صناعة الفضاء على مستوى إطلاق الصواريخ تعاني عقبات عدة، أبرزها إدارة مشاكل ارتفاع الحرارة، صعوبة إعادة الدخول في المدار، الاصطدام بمخلّفات نشاطات فضائية سابقة، تحمّل الأشعة الشمسية والكونية، وأهمها الحصول على الكمية الكافية من الطاقة لإتمام عملية الإقلاع. هنا بالذات يأتي دور محرك الصاروخ. الفكرة الشائعة في هذا الإطار هي أن جميع أنواع المحركات ترتبط بمسألة الدوران كما يحصل في محركات السيارات التي تنتج طاقة الدوران الكفيلة بتحريك الإطارات، أو في المحركات الكهربائية التي تنتج طاقة دوران لتحريك الأسطوانات، أو حتى في المحركات البخارية. بيد أن محركات الصواريخ تُعرف بمحركات رد الفعل. فالمبدأ الرئيس الذي تعتمد عليه هذه الأخيرة هو في الحقيقة مبدأ نيوتون الشهير الذي يقول إن كل فعل يعقبه رد فعل مساوٍ لكنْ معاكس. وعليه، يقذف محرك الصاروخ الكتلة في اتجاه حتى يستفيد من قوة دفع في الاتجاه الآخر، اعتماداً على المبدأ الآنف الذكر. وفيما هذا المبدأ يكمن وراء عمل الصاروخ، إلا أن ما يبدو للعيان يعطي الانطباع القائل بأن عمل محرك الصاروخ هو نتاج اللهب والضجيج والضغط. للتوضيح، يقدّم البعض مثالاً بسيطاً عن كيفية أداء الصاروخ. فعندما يضع المرء كمية من الهواء داخل بالون مطاطي ويطلق العنان لهذا الأخير داخل الغرفة تزامناً مع تسرّب الهواء الذي في داخله، تمثّل هذه التجربة نموذجاً مشابهاً لعمل الصاروخ. ففي هذه الحالة، وعندما تخرج جزيئات الهواء الوازنة من البالون، يقوم الأخير برد فعل على نشاط الجزيئات في الاتجاه المعاكس لتحرّكها، الأمر الذي يؤدي بالبالون إلى الطيران بزخم واضح.
بالعودة إلى الدراسة، وفي وقت يقترح العلماء إطلاق عدد أكبر من الصواريخ، نبّه الباحثون إلى الخطر المستتر والكامن خلف عمليات إطلاق الصواريخ المطّردة. فعلى رغم أن هذه العمليات لا تستنفد في الوقت الراهن أكثر من 0.03 في المئة من طبقة الأوزون سنوياً، إلا أن من شأن مستوى تأثيرها أن يتفاقم بالتزامن مع نمو صناعة الفضاء. ولمّح الخبراء إلى أن عدم ذكر معاهدة مونتريال عام 1987 لأخطار هذه صناعة على الأوزون، يفسح في المجال أمام مركبات الفضاء التابعة لناسا لكي تطلق مواد مضرّة بالطبقة بما يفوق ما ينتجه استخدام الكلوروفلوروكربون سنوياً في المواد الطبية المحظورة، والتي تعالج الربو وأمراض أخرى في الولايات المتحدة. وتمثّل الجزيئات المجهرية، ومن ضمنها أوكسيد الألمنيوم الذي ينبعث من محرّكات الصواريخ، المصدر الرئيس لهذا التهديد عبر التسرّب من خزانات الوقود الصلب والسائل والهجين. فالجزيء الواحد من هذه الجزئيات الشديدة التفاعل كفيل بتدمير نحو 10000 جزيء أوزون. وفيما أنفقت الوكالات العلمية الأميركية ملايين الدولارات من أجل تقييم مدى تأثّر الأوزون بهذه النشاطات، مستخدمة أسطولاً افتراضياً مؤلفاً من 500 طائرة فوق صوتية، إلا أن الأبحاث الرامية إلى تحديد مروحة التأثيرات الناتجة من إطلاق الصواريخ لا تزال حتى الآن محدودة للغاية.
من جهته، يبدي فريق البحث تفاؤلاً حيال الحلول المتاحة نتيجة توافر المصادر والخبرة المعرفية وقدرة الاطّلاع على التاريخ التنظيمي بغية معالجة المسألة بفعالية. ويضيف الخبراء أن الوقائع تشير إلى أن تطوير الأنظمة الفضائية يحتاج أقله إلى عقد من الزمن وإلى مجموعة ضخمة من الاستثمارات. لذلك، ثمة متّسع من الوقت لبحث كيفية الحد من تداعيات التنظيمات الأكثر صرامة على جهود غزو الفضاء.