صيدا ــ خالد الغربيلا يبدو أن مخاطر مكبّ النفايات الصيداوي ستتوقف عند مصائب التلوّث المباشر في الهواء والماء، فقد اندلعت النيران في بعض نفاياته التي لفظها البحر، بعدما كانت قد سقطت جرّاء إحدى الانهيارات المتتالية لهذا الجبل المتعاظم، لتتجمع مجدداً عند أعتابه، كأنها لا تريد أن تبرح المكان. هكذا، تجمعت عند الطرف الجنوبي للشاطئ الصيداوي على بعد مئتي متر من موقع المكبّ، لكنّ «سيجارة أحدهم أضرمت النار»، كما قال أحد عناصر الدفاع المدني الذي تعجّب من أن يستنسب المرء هذا المكان برائحته القاتلة للتدخين، فأتت سريعاً على القاذورات وعبوات البلاستيك وأكياس النايلون التي أيبستها حرارة الأيام الأخيرة. لوهلة، بدا كأن الشاطئ يحترق، لولا أن سارع عناصر الدفاع المدني لإخماد الحريق الذي حوّل الرمال الذهبية إلى لون أسود داكن.
ولم تفلح كل الجهود التي تبذل منذ سنوات في إيجاد حلّ للمكبّ الذي يعتبره ناشطون بيئيون كارثة بيئية حقيقية. وتزيد الخلافات السياسية بين قوى المدينة من صعوبة إيجاد الحلول المناسبة لمعالجة أمر المكبّ وإزالته، فيصبح المكبّ صورة للوضع السياسي تعكس، بطريقة من الطرق، ضياع المسؤولية.
رئيس بلدية صيدا عبد الرحمن البزري كان قد حذّر أخيراً من «حصول كارثة بيئية خطيرة ووقوع خسائر بشرية في صيدا، نتيجة عدم المعالجة الجدية لملف جبل النفايات الذي تجاوزت قدرته الاستيعابية الخط الأحمر»، داعياً إلى «سحب ملف جبل النفايات في صيدا من التجاذب السياسي، حيث يُعطّل بسبب مزاجات وولاءات سياسية».
وأكد البزري أن جهود بلدية صيدا لن تكون كافية لدرء خطر هذا المكبّ ما لم يُعالَج جذرياً وفوراً». وأضاف: «لقد حاولت البلدية القيام بهذه الأعمال، إلا أنها اصطدمت بعراقيل أهمها سياسي وإداري، وبالتالي لم تستطع حتى الآن، رغم إنجاز الدراسات الفنية المتعلقة بمختلف الحلول وتوفير دعم مالي، البدء بأعمال المعالجة، لذا طالبت البلدية الحكومة اللبنانيه مراراً وتكراراً، وكان آخرها اللقاء مع رئيس الحكومة، للقيام بواجبها أسوة بما فعلته في مكبّات مناطق ومدن لبنانية شبيهة».
واستغرب البزري «أن لا تتجاوب الحكومة حتى الآن مع مطالب البلدية بضرورة إنجاز المراسيم القانونية اللازمة لإقامة حاجز مائي لحماية البحر، أسوة بما حصل في مناطق أخرى. كما أن البلدية كانت واضحة في إعلانها أن الموقع الحالي لجبل النفايات لم يعد يتحمّل كمية النفايات التي تدخل إليه يومياً، والتي تقدّر بحوالى 140 إلى 150 طناً يومياً، وتشمل مدينة صيدا ومخيم عين الحلوة وبعض القرى والبلدات المحيطة بصيدا، حيث هناك كثافة سكانية صيداوية عالية».
ورأى البزري «الكارثة البيئية واقعة لا محالة، لأنه، برغم كل شيء، لم يتوافر موقع آخر لوضع نفايات صيدا ومنطقتها. وبالتالي، فإن خطر الانهيارات سوف يزداد، وهناك احتمال أن ينهار الجبل على العاملين فيه، ويؤدي لا إلى أضرار بيئية فقط، بل إلى خسائر بشرية».
وأكد البزري أن البلدية، وهي تبذل ما في وسعها لحلّ هذه المشكلة ودرء أخطارها وتدارك تأثيراتها البيئية والبشرية، قد تضطر إلى اتخاذ خطوات جذرية إذا لم يُتعامَل مع هذا الملف بجدّية وسريعاً، ويُسحب خارج التجاذب السياسي، حيث يُعطّل بسبب مزاجات وولاءات سياسية»، من دون أن يوضح ما هي تلك الخطوات. وقال: «إن صيدا دفعت ثمناً بيئياً غالياً في السابق، وستدفع أيضاً فاتورة بيئة باهظة في المستقبل، وبالتالي واجبنا جميعاً العمل لوقف هذا التدهور، وإلا فسيكون لنا موقف آخر».


المكبّ يتخلّص من فضلاته

أصبح المكبّ في العقد الرابع من عمره، ولا تكفي تلك الورود الصفراء التي نبتت طوعاً على السفح الشمالي الشرقي لجبل الزبالة في صيدا لتضلّل الرائي عن مساوئه البيئية. لكن، لأنه لا يشبه الجبال إلا بالشكل، ولأنه هشّ «البنية» ويتضخّم حجمه يوماً بعد يوم، فإنه ما إن يفوق ارتفاعه ما يمكن لقاعدته أن تتحمّل، حتى يتخلّص «طبيعياً» من «فضلاته»، رامياً إياها في البحر، قبل أن يعيدها هذا الأخير «مع الشكر» إلى الشاطئ، فيما الحلول وسبل معالجة «هذه الكارثة البيئية الحقيقية على سكان المنطقة»، وفقاً لتقارير قدّمتها سابقاً جمعيات بيئية دولية، تبقى غائبة، وتضيع معها طاسة المسؤولية التي تتقاذفها القوى السياسية الصيداوية.