انتشر خبر نيته الترشح للانتخابات النيابية في سوق الخضار. تقصده، فيلاقيك بترحيب القرى. يتطوع زملاؤه لشرح صفات مرشحهم «الآدمي والعصامي»، أما هو فيحثهم على «الرواق يا شباب»، ليصرخ فجأة بوجه أحدهم «روق يا محمد، ما إنت أصلاً مصري ولا تنتخب! على شو هالصريخ؟ رح تفلق حالك»عامر ملاعب
يستوي على كرسيه وسط صناديق الخضار والفاكهة، ملكاً بين رعاياه. يشعل سيجارة «صناعة وطنية»، ووسط الدخان وأصوات البائعين يقول «باختصار أنا ناجي كنعان (45سنة) من بلدة عين تراز في قضاء عاليه، فلاح ابن فلاح، متزوج ولي 3 أولاد، من أنصار ثورة 14 آذار وضد مستغليها من السياسيين». ينظر إليك وأنت تنظر إليه متوقعاً استطراده ويتساءل «لماذا تستغربون رغبتي؟ ألا يحق لي أن أترشح لعضوية المجلس النيابي؟ أنا لبناني انغرس أجدادي في هذه الأرض منذ مئات السنوات، وجبل عرقهم ودماؤهم في هذا التراب ألا تكفيكم هذه المواصفات؟ جريمتنا أننا فقراء ملتصقون بالأرض، منذ القدم تاجر بنا الإقطاع حتى أصابته التخمة، كيف يعني تسألني لماذا أترشح؟». يعلو تصفيق زملائه وعماله لهذا «الخطاب»، وبعد تكرار محاولاته لإسكاتهم، يتابع وقد انتفخت أوداجه وارتفع صوته «كمرشح، ما الفرق بيني وبينهم؟ أهو أنهم يحملون شهادات ويفقهون بالقانون؟ أي قوانين وتشريعات قاموا بها منذ أربع سنوات حتى اليوم، غير قانون فرّق تسد؟ أم أن إنجازهم هو ترويج الخطابات المذهبية التي تفرق بين الناس؟ انظر إلي: أنا نجحت بمهنتي وأسهر على راحة عائلتي وأقدم الخدمات قدر إمكاناتي وأرشح نفسي، ليس بهدف اكتساب المال وسرقة الدولة». تسأله ما إذا كان سبب ذلك هو يأسه ممن كان ينتخبهم؟ فيجيب «طبعاً، أنا من بيت قرر الانتفاض، عندما شعر بأن ممثلي المنطقة وقضاء عاليه لم يستطيعوا حتى تاريخه تلبية حاجات مواطنيهم بأضعف الإيمان. نحن لسنا أرقاماً في صناديق الاقتراع بل مواطنون لهم كرامتهم وأحلامهم ومبادئهم»، ثم يضيف وقد أحضر الشباب أكواب القهوة «هل المجلس هو للأغنياء ومالكي المليارات وناهبي أموال الدولة؟ أم هو محصور بأبناء العائلات؟ هل نحن أولاد شوارع؟ أنا أنتمي إلى عائلة من أعرق عائلات لبنان ولكنها لم تسخّر تعب الفلاحين يوماً كي تحكم، ما ذنبنا أن نبقى مرابعين عند هؤلاء؟».
لا يفقه المرشح ناجي كنعان بماذا تتفوق هذه الطبقة الحاكمة عليه؟ يستخدم لشرح كلامه قاموساً مستمداً من مهنته «الناس متل مزروعاتنا وأرضنا، إن أهملتها يبست أو حبست إنتاجها. ألا يدرك هؤلاء «الباصمون دائماً» أنهم سيدفعون ثمن ربع قرن من التهجير وأنهم حتى اليوم لم يعيدوا المهجرين؟ هل من خطأ أن نطالب بالمساواة في الحقوق مع أهلنا في الجنوب وإخواننا الفلسطينيين؟». يتحدث كنعان بألم عن تاريخ عائلته التي عانت الاضطهاد خلال التهجير إبان الحرب الأهلية، فيما هو ما زال ينتظر التعويض كي يكمل بناء منزله «عين تراز قريتي وبجانبها قرية رشميا، لم يدفع لهما كامل حقهما من تعويضات وزارة المهجرين، ومنهما خرج الرئيسان حبيب باشا السعد وبشارة الخوري ومئات من المثقفين والرجال العظماء».
لكن، ماذا حضر كنعان لناخبيه؟ يقول الرجل إن برنامجه مرتكز على إبراز دور «الفلاح وأهل الأرض الأصليين لا جماعة المدن وزائري قرى الجبل بـ«الويك أند»، نحن هنا متجذرون كما السنديان، وأولى بإدارة شؤوننا لأن «السنديانة لمن يعاملها وليس لمن يتفيأ بظلها»، ثم يضيف «كانت قرى الجبل حدائق غنّاء»، مضيفاً: كان فيها كل الخضار والفواكه من مجاميعو»، تبتسم لهذه الترجمة لعبارة «الحدائق الغناء»، ثم يقول: «واليوم تحولت إلى جبال جرداء وتجتاحنا محاصيل زراعية أجنبية، ويتحدثون عن السيادة؟ السيادة تكون بتعزيز الإنتاج الوطني وحماية الإنتاج الوطني وتشجيع المزارع كي يبقى بأرضه وقريته». يشرب من كوبه ثم يقول بحزم: «في محيط يجمع العشرات من القرى ليس هناك سوى مستوصف صغير لا يستوعب إلا الحالات العادية، الطلب بسيط وهو بالحد الأدنى». يبدو أن هذا الوصف كان مطابقاً لمكنونات قلوب من أحاطوا به، فيضيف بعصبية «يتعاملون معنا بلغة الأوامر لماذا؟ بأي حق وهم يسقطون علينا من فوق؟». وعن كيفية تمكنه من الاختراق وسط هذا الصراع الانتخابي والتجييش يجيب «بكل بساطة لست من المخدوعين، أريد إيصال الرسالة ولو أزعجت أصحاب السلطة ولم تقلقهم، لكن المزارع يعرف بالخبرة أن نقاط المياه المتراكمة تحتاج إلى ساقية تصريف كي لا تسقط حيطان الحقل على من فيها، وهؤلاء ينطبق عليهم المثل الشعبي «النهرة خير من علفة» أي أن تصرخ بوجوههم بصوت مرتفع يخيفهم، أفضل من أن تطعمهم وجبة طعام.
ينوي كنعان اتباع طرق غير تقليدية في حملته الانتخابية لإيصال رسالته، هو يمزج بين السخرية والجد ولكنه يعتبر أنه «بالفكرة المبتكرة والمضحكة تصل الرسالة أسرع. قد تكون الأدوات الزراعية هي شعار حملتي، طلبت من إحدى شركات الإعلانات أن تعطيني أفكاراً وتبين لي أن كل ما أملك لا يكفي لسداد فاتورتها. لذا، لجأت وأصدقائي إلى الابتكار. ولقد تبرع أحد أصدقائي بإعداد موقع إلكتروني يشرح أهداف حملتي ومشروعي، وزملائي المزارعون تبرعوا بمعداتهم الزراعية من «تراكتورات»، عدد من الشاحنات، سيارات «بيك أب»، ضيافة عبارة عن فواكه بلدية طازجة ومجففة ومربيات صنع منزلي، وأنوي استخدام سلاحي الاستراتيجي المكوّن من المواويل الوطنية والقصائد الزجلية والقصائد الهجائية الساخرة منهم، انتبهوا يا سادة نحن سنستخدم سلاح الكلمة بكل جرأة». وسياستهم الملتبسة وتسابقهم على المناصب ينطبق عليهم قول المرحوم الشاعر الشيخ نايف تلحوق في حوار بين البنت وأمها في وصف الساسة وأهلها:
يا أمي الناس عمتعمل سياسة دخلك كيف هيذي بيعملوها؟ بسيطة تقبري أمك عَراسي الأكابر كل يوم بيطبخوها بيجيبو فليفلة وزبدة وقراصي وبطاطا وكزبرة وبيخلطوها ولذعة نار شي ما تكون قاسي ولما بتستوي بيبهروها ناس بينطروها عالكراسي تتبرد وناس سخنة بياكلوها
ويختم «أنا دعوتي ببساطتها هي ثورة على هذه الطبقة السياسية المتعفنة، قد تستخفون ولكنني قررت أن أرفع صوتي بوجههم وأقول لهم «كفى هناك مواطنون قد ملوا من مهاتراتكم، عواصف الشتاء تهب لتقتلع النباتات المتيبسة والفارغة، أنتم في الخريف وبعد الشتاء يأتينا نبض الربيع المفعم بالحياة».


برنامج العيش المشترك
يصر كنعان على نقطة تهمه وتهم «ناخبيه» المفترضين. يقول «برنامجي عودة العيش المشترك الحقيقي لا التكاذب الواقع الآن، وأنا ابن قرية محاطة بقرى إخواني أبناء طائفة الموحدين، وبالمناسبة أتمنى لهم كل الخير كي نعود لبناء قرى الجبل سوياً دون عقبات أكل عليها الدهر وشرب، وأنا أتمتع بدعم أهلي في عاليه وكل قرى القضاء»