فايز فارسحاول الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في إطلالته الأخيرة شرح الأحداث التي سبقت وسبّبت كل ما حصل يومي السابع والثامن من أيار 2008 في بيروت، لكن سماحته تجنّب استعراض تداعيات ذلك اليوم المفصلي على المناطق، وبخاصة ما حصل في مدينة حلبا عاصمة محافظة عكار.
يبدو لي أنّ البعض يحتاج إلى صناديق من حبر الطباعة وأطنان من الورق وألف إطلالة على القنوات الأرضية والفضائية، الوطنية والأجنبية، حتى يتمكنوا من استيعاب حقيقة ما حصل وفهمه. هم فقط يهمهم استغلال هذا الحدث الخطير في سجالاتهم واستدراج عطف الناخب المتردد المتغيّر.
نعم! لقد نجح خصوم حزب الله حتى لا نقول أعداءه، في استدراج قيادة هذا الحزب المقاوم وحلفائه إلى معركة داخلية لم يكن بطبيعة الحال يسعى إليها طوعياً. ونعم! لقد نجح حزب الله وحلفاؤه في مواجهة ذلك التحدي الكبير الذي أطلقته حكومة كل لبنان بهدف تحجيمه وتكبيله وتسليمه إلى أعداء لبنان وفلسطين والعرب أجمعين. وجاء ردّه سريعاً وبأقل نسبة ممكنة من الضحايا البشرية والأضرار المادية، وبخاصة عندما يدرك الجميع أن الذين قرّروا هذه العملية وخططوا لها ونفذوها قد أُصيبوا بنكسة كبرى.
فقد أثبتت قيادة حزب الله وحلفاؤها أنها قادرة فعلياً على ضبط النفس إلى أقصى حد ممكن واللجوء إلى قوة السلاح ضمن حدود مدروسة وأطر منظّمة والالتزام بتحقيق أهداف واضحة، آخذة بعين الاعتبار مشاعر الناس عامة، فيما كان الطرف الآخر يطلق في مدينة حلبا العكارية العنان لهمجية أعادتنا إلى أجواء الحروب اللبنانية السيئة الذكر التي استحقت لعنة التاريخ على لسان اللبنانيين قاطبة.
كفى استغلالاً للمشاعر الدينية الرخيصة، لأن ذلك يمثّل إهانة مباشرة للمعتقدات الدينيّة كلها واستخفافاً فاضحاً بعقول المؤمنين، مهما كان معتقدهم. إنّ القول مثلاً، منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري، إنّ «السنّة» في خطر هو قول لا يستند إلى أيّة معايير منطقيّة أو مستندات علمية أو وثائق تاريخية أو واقع مستجد. فالمسلمون السنّة هم أكثريّة عدديّة تفوق التسعين في المئة من مجموع الشعوب العربية والإسلامية. والحكّام العرب هم مسلمون سنّة إذا ما استثنينا سوريا ولبنان. وأغنياء العرب هم مسلمون سنّة. والجيوش العربية هي جيوش إسلامية سنيّة. وكل ما عدا ذلك حسد وغيرة واستغلال للنفوس الضعيفة الواهمة.
وعندما لا يكون الحاكم العربي مسلماً سنيّاً، فهو لن يستطيع ممارسة السلطة في بلده من دون حصوله على موافقة حقيقية ومشاركة كاملة للجماعة السنيّة. واسألوا تجار دمشق وصناعيّي حلب المسلمين السنّة الذين ينعمون بكل عناصر الاستقرار في سوريا. واسألوا مفتي الجمهورية اللبنانية إذا كان هناك في لبنان من يتجرأ على إزعاج خاطره. وللتاريخ نذكّر ونقول إنّه سبق للإسلام السياسي السنّي أن أنقذ نظام ملك الأردن المسلم السنّي من الانهيار صيف 1970، بينما عجز عن تجنيب لبنان تلك الحروب الأهليّة التي اشتعلت عام 1975 ودامت عقداً ونيفاً. كما لم تتمكن الجيوش الأميركية الغازية وحلفاؤها من اجتياح العراق واحتلاله وتدميره من دون موافقة الإسلام العربي السنّي الحاكم ودعمه في هذا المشرق المسلم السنّي من تركيا إلى باكستان.
ومع ذلك أوافق بعض المراقبين الباحثين والسياسيين الواعين على أن الإسلام السنّي هو فعلاً في خطر. ومصدر هذا الخطر يستند إلى مقولتين:
ـــ الأولى تشير إلى أنّ الخلافات العربية الإقليمية منذ حصول الدول العربية على استقلالها حتى أيامنا هذه، هي سبب كاف ونقطة ضعف أساسيّة وعلّة حقيقيّة، تؤدي مجتمعة إلى وضع العرب والمسلمين في خطر دائم. ما يدفعه إلى الاعتماد على سياسات ملتوية عرجاء وردّات فعل غوغائية فئوية ضيقة وذات نتائج سلبية على المجتمعات العربية والإسلامية كلها.
ــــ الثانية تنبّه إلى أن ارتباط معظم الأنظمة العربية الإسلامية السنيّة بالسياسات الأميركية الهشّة على الصعيدين العالمي والإقليمي، وبخاصة في ما يتعلق بالصراع العربي ــــ الصهيوني، منذ محادثات وايزمن ــــ الملك فيصل إلى كل تلك الاتفاقيات السلمية التي تمكّنت من عزل الإسلام العربي السنّي وتحييده، هو سبب جوهري بنيوي أدّى وما زال يؤدي حتى إشعار آخر إلى وضع هذه الأنظمة في حالة خطر داهم.