إيلي شلهوب باكستان على مشارف الانهيار. لن تصمد أشهراً. فلول «طالبان» و«القاعدة» على مشارف إسلام أباد. القنبلة النووية الإسلامية باتت قاب قوسين من سيطرة المتطرفين. يجب التحرك بسرعة. الوضع في هذا البلد يشبه ما كانت عليه حال طهران عشية انهيار نظام الشاه. «من المفيد دراسة النموذج الإيراني» من أجل الاسترشاد به لحل المعضلة الباكستانية المستجدة...
كان هذا لسان حال إدارة باراك أوباما على مدى الأسابيع الماضية، وتحديداً عندما خرج مسلحو «طالبان» من وادي سوات، حيث باشروا تطبيق الشريعة بعد اتفاق مع الحكومة، ودخلوا منطقة بونر القريبة من العاصمة. تطوّر دق جرس إنذار في واشنطن، التي أقامت الدنيا ولم تقعدها بعد؛ اتصالات وزيارات وضغوط مارسها مسؤولون أميركيون على القيادات الباكستانية، المدنية والعسكرية، توّجت بالقمة الأميركية الباكستانية الأفغانية في البيت الأبيض قبل أيام. تغيرت الأولويات. باتت باكستان محط أنظار العالم. حتى إسرائيل نسيت التهديد الإيراني لبرهة، واعتبرت أن الخطر الأكبر بات باكستاني المصدر.
في المقابل، بدا قادة إسلام أباد أكثر هدوءاً. يمارسون حياتهم كالمعتاد. لسان حالهم يقول «لا تقلقوا، كل شيء تحت السيطرة. ما يفعله الإسلاميون اليوم يقومون به منذ عقود.. لن يتغير شيء». الأرجح أن المقاربة الباكستانية أكثر صواباً، وليس على قاعدة أن «أهل مكة أدرى بشعابها».
صحيح أن التركيبة السكانية تتشابه بين باكستان وإيران، من حيث تنوّعها العرقي؛ تعيش في الأولى 6 إتنيات رئيسية أكبرها البنجابيون (حوالى 45% من عدد السكان)، يليهم الباشتون (16%)، فيما تعيش في الثانية 8 إتنيات أساسية أكبرها الفرس (51%) يليهم الأذريون (24%). كذلك الأمر بالنسبة إلى التركيبة الدينية، من حيث تجانسها الإسلامي (سكان باكستان 75% منهم سنّة و20 % شيعة، فيما سكان إيران 89% منهم شيعة و9% سنّة).
لكن شتان بين ما حصل في إيران وما يجري في باكستان. في الأولى، كانت هناك حركة مطلبية سياسية جمعت أطيافاً شتى من القوس السياسي الإيراني بدءاً من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين الديني. عمادها الفرس، موجهة إلى حاكم مستبد فرض سطوته بالحديد والنار وأخذ البلاد إلى حيث لا تشتهي غالبية سكانها: إسرائيل وأميركا. ولم تكتمل صبغتها الدينية بشكلها الحالي إلا بعد انهيار النظام الشاهنشاهي وانقلاب الحركة الخمينية على باقي الحلفاء.
أما في باكستان، فما يجري هو عبارة عن حركة تطرف ديني نشأت وترعرعت على الأطراف الغربية للبلاد في أوساط الباشتون، تلك الأقلية المهمّشة التي تعيش خارج السلطة. حركة كانت سلطات إسلام أباد تدفع بها إلى امتداداتها في الداخل الأفغاني. لكن مع انتشار «الأطلسي» على الحدود مع أفغانستان، باتت هذه الحركة تسعى إلى فرض الشريعة والسيطرة على الحكم في باكستان، الذي يمسك بمفاصله أهل البنجاب الذين يشكلون العمود الفقري لضباط الجيش ذي اليد الطولى. وهي حركة لا تستطيع المزايدة على عسكر باكستان وساستها المتمسكين دائما أبداً بقضيتهم المركزية: استعادة كشمير.
كما أن حركة «طالبان» وغيرها من التيارات الدينية معروف أنها من صنيعة أجهزة الاستخبارات الباكستانية التي رعت نشأتها ودعمتها طوال مسيرتها لمواجهة المد السوفياتي والعدو الهندي. وهو أحد أسباب ثقة جنرالات باكستان، وهم مسلمون لا إسلاميون، بقدرتهم على التعامل مع تمرد وادي سوات.
بهذا المعنى تبدو الحكومة المركزية في إسلام أباد في منأى عن سيطرة المتطرفين الإسلاميّين. كذلك حال الترسانة النووية، الموضوعة في عهدة الجيش، التي تعتمد نظام التجزئة والتوزيع، أي عدم وضع قنبلة نووية متكاملة في موقع واحد بل توزيع أجزائها على أكثر من مكان تحرسها وحدات عسكرية مختلفة.
غير أن هذا الواقع لا يعني أن باكستان لا تواجه مشكلة أكثر خطورة، ألا وهي النزعات الانفصالية التي تهدد بانقسام هذا البلد إلى أربع دويلات. نزعات تحدّ منها قدرة العسكر على ضبط الحياة السياسية وإدارة توزيع الحصص. وحيث ترتفع النزعات الانفصالية، تشتد الحاجة إلى حكومة مركزية قوية، لا تشبه الإدارة الحالية لآصف زرداري، وإلى عدو مشترك، هو الهند في هذه الحالة. من هنا الحراك الأميركي لإشراك نواز شريف في الحكم، بعد اختبار القوة الأخير الذي انتهى بعودة افتخار تشودري إلى رأس السلطة القضائية.
لكن مشكلة واشنطن هي أنها لا تزال عاجزة، كما يبدو، عن فهم العقل الباكستاني، رغم مرور أكثر من نصف قرن على تحالفها مع إسلام أباد. هي تشكو من أن جنرالات باكستان صرفوا القسم الأكبر من مليارات محاربة «الإرهابيين»، على شراء معدات دفاعية لمواجهة الهند. وهي تطالبهم اليوم بسحب آلاف الجنود المنتشرين على الحدود الشرقية، إلى الحدود الغربية لمواجهة «طالبان» و«القاعدة». لا تزال تحاول تغيير اسم العدو: التطرف الإسلامي بدل الهند. سبق أن حاول برويز مشرف محاربة «الإرهابيين» لكنه سرعان ما اضطر إلى مهادنتهم بعدما اشتعلت الأرض تحت قدميه بسلسلة تفجيرات استهدف بعضها التخلّص منه شخصياً. اليوم يكرر الحكام الجدد، الليبراليّو الهوى، المحاولة نفسها.
أيام صعبة تنتظر باكستان. عسى ألا تنتهي بـ... التقسيم.