عبد الفتاح خطاب مرة أخرى تأتي ذكرى الأول من أيار. على الأرجح ستقام احتفالات متفرقة يحضرها عدد قليل من العمال، وتلقى فيها الكلمات الجاهزة عن مواقف جامدة ومعلبة، أو تستغل في نطاق السجال السياسي الدائر. كانت الحركة النقابية والعمالية في لبنان في طليعة الحركات على المستوى العربي وحتى وفقاً للمعايير الدولية، وكان لها وزنها وحضورها على صعيد السياسة الداخلية، وخصوصاً النواحي الاقتصادية، ولا سيما غلاء المعيشة والمؤشر الاقتصادي السنوي وما يستتبعه من تصحيح الأجور، كما كان للحركة العمالية اللبنانية وزنها الإقليمي وحضورها الدولي، وكانت تضاهي الأحزاب تنظيماً وتأثيراً ووضوحاً في الرؤية، وسرعة في التحرك، واستقلالية في الرأي والقرار.
لكن سياسة التدجين وتفتيت القوى الشعبية المؤثرة، ووباء المذهبية والمناطقية، طالت النقابات والاتحادات العمالية. ولأن «الكثرة فيها البركة!» فقد أصبحت النقابة نقابات، والتجمع هيئات، والاتحاد اتحادات. ورصد الجريدة الرسمية ينبئ بالعجب عن النقابات والاتحادات التي تنشأ و«تفرّخ» بين ليلة وضحاها.
وصار الصراع النقابي الداخلي يطغى على أي صراع آخر مهما كانت أهميته حتى لو كان يتعلق بلقمة العيش ومستقبل الأبناء. ووصلت فداحة الأمر إلى أن يعتبر الاعتصام الذي يجمع خمسين شخصاً، والتظاهرة التي تحشد ثلاثمئة مشارك، مدعاةً للزهو وإشارة إلى النجاح!
وكانت النقابات والاتحادات العمالية تجتمع في أحلك الظروف وأصعب الأوقات في زمن الحرب الأهلية، محافظةً على وحدتها في زمن الانقسامات، وعلى وضوح الرؤية في زمن الضباب وعمى الألوان، مناضلةً من أجل لقمة «المعتّرين». والآن في زمن «السلم» لم تجتمع هذه القوى العمالية منذ سنوات، بل لا تستطيع أن تجتمع!
للأسف لن تقوم للعمال قائمة بعد اليوم ما دام البعض من قادتهم ليسوا عمالاً أو حتى موظفين، بل أشبه بالمدراء التنفيذيين، يصلون إلى الاجتماعات والتظاهرات في سياراتهم الفارهة برفقة سائقين ومرافقين وحراس شخصيين، وتجد صورهم تتصدّر المدعوين الدائمين إلى حفلات عشاء النافذين العامرة.
أجل لن تقوم للعمال قائمة بعد اليوم بعد أن أصبح البعض منهم رهينة للسياسيين، والبعض الآخر رضخ للجمود الاقتصادي والخوف من البطالة والسعي إلى لقمة العيش بأي ثمن.
يأتي عيد العمال في الأول من أيار من دون «عمال» ولا حركة عمالية، يا للعار.