فيما تتضاءل دروس فلسطين في مناهج غير معنيّة أكثر فأكثر بقضيّتها، ينبري بعض أساتذة الأونروا لتحمّل مسؤولياتهم التاريخية فعلاً. هكذا، وضع بعضهم مقررات يدرّسونها للطلاب من خارج المنهاج، ونصب أعينهم الخوف من أن تمحى فلسطين من عقول أولادهاقاسم س. قاسم
أمضى أبو وليد العينين ثلاثين عاماً في تدريس مادّتَي التاريخ والجغرافيا في مدارس الأونروا. وخلال هذه الفترة، وبمبادرة فردية منه، أضاف ما تلزم معرفته عن فلسطين على المادتين. فطلبَتُه هم أبناء الأرض السليبة، وجيلهم الثالث بعد النكبة، لا يعرف سوى أسماء القرى التي تركها آباؤهم. يجلس العينين لمقابلتنا في مكتب زميل له، رفض الكشف عن اسمه لأنه «موظف في الأونروا». يتحدث العينين عن السنوات التي أمضاها في تعليم المادتين، وكيف أن وضعهما راعى مرحلتين مرت بهما القضية الفلسطينية «ما قبل 1982 وأوسلو وما بعدهما»، كما يصف. ففي المرحلة الأولى، قبل عام 1982، كانت الأونروا توزع على أساتذتها كتيّبات تتحدث عن تاريخ وجغرافيا فلسطين. كانت تعطى مواد هذه الكتيّبات لصفوف الأول والثاني ابتدائي، إذ إننا «كنا ندرّس كل شيء عن جغرافيا فلسطين، ماذا يحدّها، عاصمتها، وأهم مدنها التجارية»، يضيف الرجل: «ثم خفّ ذلك تدريجاً بعد عام 82 ليتوقف نهائياً بعد أوسلو». هكذا، مع رحيل الثورة الفلسطينية عن الأراضي اللبنانية وحلول «التسوية»، تبدّل تعاطي الأونروا، وبالتالي أساتذتها مع مادتي التاريخ والجغرافيا الفلسطينية. فكما يقول أحد المديرين السابقين (رفض الكشف عن اسمه) لمدرسة تابعة للأونروا إنه «أيام الثورة كانت الفصائل الفلسطينية تحدد المواد التاريخية التي يجب تدريسها، حينها كنا نشعر بواجب أخلاقي يحتّم علينا تدريس الطلاب أكثر عن وطنهم». أما اليوم، فإن ما تسمح الأونروا بتدريسه كما يقول الرجل هو «حصة واحدة في الأسبوع عن تاريخ فلسطين وأخرى عن جغرافيّتها، لكن ضمن سياسة الأونروا التي لا تتعارض مع رؤيتها للسلام». دفع هذا التغيير في السياسة التعليمية للأونروا بعض الأساتذة إلى تعليم دروس عدة من خارج المنهاج المحدد، وذلك من خلال مبادرات فردية عبر وضع كتب تشرح تاريخ فلسطين، من ثورة عبد القادر الحسيني، ثورة البراق، إلى ثورة عز الدين القسّام. يقول أحد الأساتذة الذين التقتهم «الأخبار» إنه وضع في امتحان آخر السنة لهذا العام أسئلة عن فلسطين. تسأله عن نوعية الأسئلة، وهل يخاف من أن تتم محاسبته عليها؟ فيقول «الأسئلة كانت عن تغيّر اسم القدس على مرّ التاريخ، وعن مقاومة مدينة عكا»، أما عن المحاسبة فيقول إن «مراقبي الأونروا: بيطنشوا لأن أغلبهم فلسطينية». من جهته، لا ينكر الرجل تقصير بعض أساتذة الأونروا بتدريس المادتين، وخصوصاً «أنه لن تتم محاسبتهم». لكن، وبرغم المبادرات الفردية التي قام بها بعضهم، إلا أن هؤلاء الأساتذة الفلسطينيين «محكومون بسياسة الأونروا. فهي في النهاية منظمة تابعة للأمم المتحدة»، يقول العينين. يشرح زميله أنه كأستاذ في الأونروا خضع مع زملائه لورشات عمل تتحدث عن «نبذ العنف وحلّ الإشكالات بالطرق السلمية»، ما حتّم علينا عدم ذكر المجازر التي تعرض لها الفلسطينيون في دير ياسين وكفر قاسم». يضيف الرجل، كما أننا «ممنوعون أيضاً من نشر صور فيها دبابة، أو حتى حجر». هكذا، يجد الأساتذة الفلسطينيون أنفسهم معنيين بشرح تاريخ وجغرافيا بلادهم، حتى لو اضطررنا إلى «عدم المواءمة مع سياسة مناهج الأونروا»، يقول الرجل. هذا التصرف من قبل الأساتذة دفع الأونروا إلى «إبعاد هؤلاء عن التعيين في إدارات المدارس»، يقول العينين. إذاً، ما بين سياسة الأونروا النابذة للعنف، والحسّ الفلسطيني الوطني لدى الأساتذة، يجد الأخيرون أنفسهم معنيين بالابتعاد عن كتاب التاريخ الرسمي والاعتماد على أنفسهم، كما فعلوا دائماً.