«قصتنا قصة! أدب الأطفال اليوم» عنوان مؤتمر دولي نظّمه تجمّع باحثات بالتعاون مع وزارة الثقافة ومؤسسات دولية، وفي إطار نشاطات «بيروت عاصمة عالمية للكتاب». المؤتمر الذي اختُتم أمس في فندق رامادا في وسط بيروت، استمر ثلاثة أيام وقد مثّل حدثاً مهماً في أجندة بيروت الثقافية، ونوقشت خلاله مواضيع مهمة وجديدة

«أدب الأطفال» لا يأخذ حيزاً مهماً من اهتمامات المثقفين والعاملين في الشأن العامّ، لذلك قد لا نبالغ إن قلنا إن مؤتمر «قصتنا قصة!» هو واحد من أهم الأحداث التي استضافتها بيروت في السنوات الأخيرة. التقى نحو عشرات الكتّاب والرسّامين والناشرين والباحثين والأكاديميّين لمناقشة وضع «أدب الأطفال» في العالم العربي، وقضايا مبدعيه ومشاكل الرقابة، وحمل بعض المتحدثين فيه الحضور إلى آفاق أوسع مما اعتدناه، وذلك من خلال رواية تجارب وهموم شخصية أضاءت على قضايا لا يعرفها القارئ.
العناوين تعدّدت بين «أية بيئة اجتماعية وثقافية في كتب الأطفال؟» وكيف تمثلت أشكال النزاع في هذه الكتب، والأشكال الجديدة لهذا الأدب، وأثر الرقابة في التأليف، وأدوار الأسرة ومساحتها في قصص الصغار، وقضية الملكية الفكرية، والبيئة الفنية والبنية الفنية ودور الخيال في كتب الأطفال، إضافةً إلى سبل تطوير الكتاب.
يصعب تلخيص الأفكار التي طُرحت خلال المؤتمر، فلقد كان فرصة للتعرّف إلى مجموعة كبيرة من الأعمال، الكتب والرسوم والمجلات، ومن التجارب اللبنانية والعربية والأوروبية، ورغم المشاكل التي جرى الحديث عنها فإن المتابع للجلسات خرج بانطباع مفاده أن هذا الأدب آخذ في التطوّر في العالم العربي.
لنقل بدايةً إنه جرى التركيز خلال بعض المداخلات على أن جزءاً كبيراً من كتب أدب الأطفال العربية لا يزال يعاني سيطرة لغة الوعظ عليه، والقوالب الجامدة والسطحية التي لا تحاكي عالم الطفل ولا تحفّز خياله على الإبداع، أكان ذلك من خلال النص أم الرسوم، ولكنّ ذلك لا يعني أبداً أن ثمة تجارب متنوعة تمردت على هذا النهج، وطرحت كتباً مشوّقة ومهمة.
لماذا كتب الأطفال؟ ولماذا نوليها أهمية كبيرة؟ الإجابة تطول وتتعدّد الأسباب، ولكن الجلسة الأولى قدمت جانباً مهماً من هذه الأسباب، باعتبار هذه الكتب ذات دور في تنمية قيم الصغار ومفاهيمهم، وهي تعبّر عن ثقافة مجتمع. الدكتورة نجلاء بشور لفتت إلى أن كتب الأطفال أسهمت في تحرير السود في الولايات المتحدة، وكان من الممكن الاطّلاع خلال هذه الجلسة على التجربة الإيطالية، وكيفية تطوّرها كما روتها الرسامة إيفا مونتناري، كذلك لفتت اللبنانية كاتي خطّار إلى الصعوبات التي تواجه المؤلف أو الرسام في تصوير مواضيع الجنس في العالم العربي، فيما التحليل النفسي، وشروح فرويد تؤكد ضرورة تعرّف الطفل إلى جسمه، وإلى مواضيع عن الجنس في سنّ صغيرة.
المؤتمر لفت إلى تجارب متنوعة من كتب الأطفال التي سلّطت الضوء على نزاعات سياسية، ففي سوريا وفلسطين صدرت كتب تتحدث عن القضية الفلسطينية، والاعتداءات الإسرائيلية، وعن العروبة، وعن معاناة الأطفال الفلسطينيين، وتحدثت بيفيرلي نايدو عن مساهمة كتب أطفال صدرت في جنوب أفريقيا في الإساءة إلى السود، وتشجيع التمييز العنصري ضدهم.
قضية الرقابة أخذت حيزاً مهماً من المداخلات والنقاشات في بداية اليوم الثاني من المؤتمر. الدكتورة فادية حطيط لفتت إلى أن «أن نظرة على الكتابات المتوافرة للأطفال تجعلك تشعر بأن ثمة مصفاة متعددة الثقوب تمر بها الكتابة قبل أن تصل إلى الأطفال مهذّبة ومنقّحة»، وتحدثت عن الرقابة الذاتية التي يمارسها الكاتب، وبناءً على دراسة موثّقة لفتت حطيط إلى أن الناشرين يُجمعون على أن ثمة رقابة مرتبطة بالتوزيع، أو لنقل إنها الرقابة الخارجية التي تنتج من رغبة بيع الكتاب في دول الخليج خصوصاً، وينتج منها مثلاً التضييق على التعبير عن مشاكل الأطفال، وأهمية «الاحتشام» في الرسوم والكتابات.
قضية الرقابة أثارت اهتماماً كبيراً، ومن المداخلات المهمة التي طُرحت في هذا الإطار، ما قاله الكاتب والناشر سماح إدريس، مؤكداً أن التخلص من هذا النوع من الرقابة ممكن، وذلك من خلال توسيع السوق اللبنانية، وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن القصص التي كتبها إدريس للصغار لاقت نجاحاً كبيراً يساعد على إعادة تقديمها في طبعة ثانية.
إضافةً إلى هموم الكاتب اللبناني في هذا المضمار، كانت مداخلة أوتي كرواسه مهمة، حيث أضاءت على الرقابة على كتب الأولاد في ألمانيا أيام الحرب النازية، كما ركزّت العراقية انطلاق محمد علي على ثقافة الأطفال في العراق. الأسرة بيئة الطفل الأولى لها مساحة مهمة في نسبة مرتفعة من كتب الأطفال في العالم، الباحثة الفرنسية ماتيلد شيفر لفتت إلى أن هذه الكتب في فرنسا تبعت أو رافقت النقاش والثورة التي عرفها المجتمع في السبعينيات، أي نتائج ثورة أيار 1968، في هذه المرحلة برز التوجه الذي يجعل الطفل راوياً للقصة، وبدأت القصص تنهل من قاموس الصغار، تستعمل كلماتهم وتعابير قريبة منهم. كما لفتت شيفر إلى أن كتب الأطفال لم تتناول بتركيز مواضيع اجتماعية اعتُبرت تابوهات، لكن ذلك لم يمنع صدور كتب عن الطلاق والمثلية الجنسية والتبنّي وغيرها.
التجربة التونسية تحدثت عنها نافلة ذهب، وميّزت بين جيلين من الكتّاب، الجيل الأول الذي عايش مرحلة الاستقلال والإصلاحات التي فرضها الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، ولكن كتب هذا الجيل لم تواكب هذه الإصلاحات فظلّت تصوّر خطورة الخروج عن الإجماع، وتغيّب أدوار الإناث لتعطي أهمية للأب، في الجيل الثاني صار حضور الأب شبه قليل أو هو أب محبّ ومتفهم، وصارت الأم صاحبة دور فعّال، ومع ذلك سُجل حضور خفيف للبنات.
أما التجربة اللبنانية، فقد تحدثت عنها سناء شباني، ولاحظت أن الكتب التي تصدر في الفترة الأخيرة تُسبغ بغياب تأثير العائلة الكبرى (العم أو الخالة أو...)، وفيها توجّه للغوص في عالم الطفل الداخلي، وتحسّن النظرة إلى الأم، وغياب العنف كأسلوب تربويّ، ولكن معظم الكتب أخذت خصائص بيئة عالمية. بعض المداخلات لفتت إلى أن كتب الأطفال، بنسبة كبيرة منها، تشجع الأطفال على الهروب من الواقع، والغرق في الحلم بدل التفكير في كيفية مواجهة المشاكل. الجلسة المخصصة للكلام عن حقوق الملكية الفكرية، لفتت إلى ما يعانيه الكتّاب والرسّامون، فقد يُعاد طبع الكتاب دون أن تعطى للكاتب حقوقه، أو تطلب بعض الدور من الرسّامين النسخ الأصلية لرسومهم، وقد تكون العقود التي يوقّعها مؤلّفو الكتاب مجحفة في حقهم، أما الناشرون، فهم يعانون ضيق السوق، وهم مضطّرون أيضاً إلى دفع تكاليف كبيرة لنشر كتاب للأطفال. ولفتت الكاتبة رانيا زغير إلى أن كتاب «يوميات فكرة مسروقة» صار بمتناول الأيدي، وفيه تعريفات قانونية وإجابات عن أسئلة الكتاب والرسامين من جهة، والناشرين من جهة أخرى. من الجلسات الممتعة، تلك التي أضاءت على أعمال الرسّامين، لينا مرهج، تحدثت عن العلاقة بين النص والصورة في كتب الأطفال، شرحت الأسلوب الذي تعتمده في قراءة النص، قالت إنها تتعامل معه بصفته نصاً لا يمكن تغيير حرف فيه، لأن الكتّاب يرفضون ذلك، ثم تقسّمه إلى أجزاء، ترتكز على ظهور العقدة وحلّها ونتيجتها. شرحت كيف ترسم معالم الشخصية، وما هي الخيارات الممكنة لترجمة النص أو إعادة صياغته برسوم تكمله أو تتطابق معه أو ربما تعاكسه. وركّزت أنجيلا نربتليان على أهمية الألوان وتأثيرها في الأولاد. الكولاج أيضاً أخذ حيزاً من الكلام، وتحدثت ندى عزيمي نعيني عن التجربة الإيرانية، أما صورة العرب في أدب الأطفال الأميركي، فقد كانت محور كلام ألس مارستون، التي لفتت إلى زيادة عدد الكتب التي تقدم صورة جيدة عن العرب، دون أن تكون أعدادها كبيرة جداً.
(الأخبار)


عالم الرسوم

هل تعرفون هيلي فيبكي ينسين؟ إنها رسامة دانماركية. اكتشاف بعض أعمالها من أجمل المفاجآت التي قدمها المؤتمر لمتابعيه. بداية، تجدر الإشارة إلى أن مداخلة ينسين أظهرت أنها كانت غنية وشديدة الحيوية، مفعمة بالألوان والتصورات، كما هي حال رسومها.
الرسوم نفسها تجعل الناظر إليها يتذكر بأن الإبداع هو نتاج خيال لا يعترف بأية حدود تعوق انفلاته، كيف الكلام عن رسوم ينسين وهي تستعصي على كل القوالب، ألوانها غنية، خطوطها كذلك، استعاراتها كلها، الكولاج، الإضافات... كلها عصيّة على التصنيف، سمكة تتكرر في المشاهد، طفلة برأس سمكة، ثم حروف وخطوط من اليابان أو صور تظهر تفاصيل أعمالها...