كاد التفجير أن يهزّ مبنى الأمن العام أمس. أرسل أحد الأشخاص طرداً إلى مكتب المطبوعات، لكنه لم ينفجر بسبب تعطيل العبوة. وتتابع الأجهزة الأمنية والقضائية تحقيقاتها، فيما تفقّد الوزير بارود المؤسسة واجتمع مع اللواء جزيني
أحمد محسن
كانت إطلالة المدير العام لمؤسسة الأمن العام، اللواء وفيق جزيني، الأولى من نوعها على إحدى المحطات التلفزيونية أول من أمس. لم يعتد اللبنانيون مشاهدة رؤساء المؤسسات الأمنية على شاشات التلفزة إلا قليلاً. وفي صباح اليوم التالي (أمس)، كان المبنى الرقم واحد في مبنى الأمن العام على موعدٍ مع الحدث مجدداً. كان ذلك في مكتب المطبوعات، المواجه لقصر العدل.
وصل أحد طرود البريد السريع (DHL) إلى المكان الذي ينبغي المرور فيه، لينال الترخيص للتصدير، بين مجموعة من الطرود المماثلة. تعرّض لعملية تفتيش وكشف روتينية، وكانت المفاجأة. كان الطرد المذكور موضباً في علبة هاتف، ويحوي مادةً بدت غريبة في البداية، إضافة إلى أسلاك كهربائية، وجهاز توقيت (Timer)، وقارورة غاز صغيرة الحجم، كتلك التي تستخدم في نفخ البالونات بالغاز. صاعق التفجير كان جاهزاً أيضاً. عزلت القوى الأمنية الطرد فوراً، وتبين لاحقاً أنه يحتوي على 150 غراماً من مادة الـ C4 الشديدة الانفجار، التي من شأنها أن تحدث انفجاراً يمكن وصفه بالهائل، داخل ممرات مبنى، وهو الأمر الذي أكده الخبير العسكري، الذي استعان به الأمن العام، من فرع المباحث العلمية، في الشرطة القضائية، لتفكيك الجهاز، وإحباط محاولة التفجير. وعلى عكس ما تداولته بعض وسائل الإعلام، أو وكالات الأنباء، لم يكن جهاز التوقيت معطلاً، بل كان جاهزاً للعمل، لكن تعطيله السريع أحبط محاولة التفجير، كما يؤكد مسؤول أمني رفيع في المؤسسة، الذي وصف محاولة التفجير عبر الطرد بالجدية. وفي تفاصيل إضافية، علمت «الأخبار» من المسؤول الأمني، أن الطرد كان متوجهاً إلى ليبيا، وهنا مفارقة ينبغي التوقف عندها. كان الطرد، وفقاً لمصادر الأمن العام، مذيَّلاً بتوقيع شخص يدعى م.ح. مع عنوان منزله ورقم هاتفه.
وعلى الفور، دهمت القوى الأمنية منزل م.ح. من دون أن تعثر عليه، وحوّله هذا التواري عن الأنظار الى مشتبهٍ فيه رئيسي، في محاولة تفجير المبنى الرقم 1 في مؤسسة الأمن العام وتخريبه.
وبعد التحقيقات الأولية، تبين أن المشتبه فيه م.ح. هو من أصحاب السوابق الجنائية، التي تتعلق بحيازة أسلحة ومتفجرات غير مرخص بها، والمهم في الأمر، أنه متهم بمحاولة إدخال متفجرات إلى السفارة الأميركية مع شاب فلسطيني عام 2003، ومحاولة خطف طائرة ليبية أيضاً عام 1983. وفي السياق ذاته، أشار المسؤول الأمني إلى أن التحقيقات تتركز على معرفة مدى ارتباط المشتبه فيه بأي مجموعات إرهابية، أو خلايا من هذا النوع، تمارس أو مارست نشاطاً تخريبياً على الأراضي اللبنانية. وفي الإطار نفسه، علمت «الأخبار» من مسؤول أمني رفيع، أن كل الأجهزة الأمنية اللبنانية تلاحق المشتبه فيه م.ح. أما بالنسبة إلى الموظف الذي نقل الطرد البريدي، كالمعتاد، إلى الأمن العام، فإن عمله يقتصر على إيصال هذه الظروف روتينياً، من أكثر من محطة للبريد السريع، وليس من مهماته سوى نقل هذه الطرود إلى الأمن العام للكشف عليها قبل تصديرها، وعلى هذا الأساس استُدعي للتحقيق لأخذ إفادته، بغية الوصول إلى المركز الأساسي الذي انطلق الطرد منه، ما لا يجعله مشتبهاً فيه، أو متهماً، تبعاً للتحقيقات الحالية.
تجدر الإشارة إلى أن النائب العام التمييزي، القاضي سعيد ميرزا، يشرف على التحقيق الذي يجريه الأمن العام في الحادثة، ووزير الداخلية كذلك، المحامي زياد بارود، تفقد الأمن العام واجتمع مع اللواء جزيني واطلع منه على تفاصيل الحادثة وسير التحقيقات.


موادّ منتشرة؟

رجّح مسؤول أمني لـ«الأخبار»، أن يكون المشتبه فيه م.ح. الذي وجد اسمه وعنوانه على الطرد الملغوم، يعاني من أمراض نفسية وعقلية، تبينت للمحققين اللبنانيين، في خلال توقيفه ومحاكمته عام 2003. وفي السياق نفسه، لفت المسؤول إلى أن التحقيقات آنذاك، وحتى الأولية منها الآن، تؤكد عدم انتماء المتهم إلى أي تنظيم محلي أو إرهابي. وتطرح هذه المعلومات أسئلة كثيرة عن سهولة توافر المواد المتفجرة (C4)، وخاصةً أنه في حالة أمس، كاد الطرد أن ينفجر لولا إحباط عملية التفجير، بسبب خطأ تقني.