يُنتظر من المجلس النيابي أن يناقش اقتراح تضمين «البصمة الوراثية» للقانون اللبناني، وذلك للاستفادة منها في آليات البحث الجنائي، إضافة إلى إنشاء قاعدة بيانات وطنية مركزية للحمض النووي للمشتبه فيهم بارتكاب جرائم
محمد نزال
ساعد تحليل البصمة الوراثية «DNA» على تحديد هوية الملكة الفرعونية «حتشبسوت». إذا كانت هذه التقنية العلمية تسمح بالتعرّف إلى هوية ميت بعد مضي أكثر من 4000 سنة على وفاته، فإنها بطبيعة الحال تقنية ذكية وأداة متقدمة لكشف هوية مجرم أو فارّ من وجه العدالة.
أدخلت العديد من الدول تقنية تحليل الحمض النووي إلى قوانينها وتشريعاتها، للاستفادة منها تالياً في آليات البحث الجنائي. أمّا في لبنان، فإن القوانين تخلو، حتى الآن، من أي نص يمكّن القوى الأمنية من الاستفادة من هذه الوثبة العلمية في البحوث الجنائية. ويُنتظر أن يقر المجلس النيابي تضمين هذه التقنية لتشريعاته، بعدما تقدمت إليه الحكومة الأخيرة التي ترأسها الرئيس فؤاد السنيورة، باقتراح مشروع قانون يتعلق بـ«البصمة الوراثية».
بموجب هذا المشروع تعدّل مواد في قانون أصول المحاكمات الجزائية وقانون العقوبات. بيد أن أدراج المجلس النيابي لا تزال مقفلة على الاقتراح منذ شهر آذار الماضي، أي لم يُدرَس خلال ولاية المجلس النيابي السابقة، وينتظر أن يُدرس ويناقش من اللجان النيابية المعنية والمؤلَّفة أخيراً، ليصار بعد ذلك إلى التصويت عليه من المجلس التشريعي، علماً بأن لا اعتراضات عليه من مختلف الكتل النيابية، بحسب ما أكّد لـ«الأخبار» الوزير خالد قباني الذي عكف شخصياً على دراسة الاقتراح، بتكليف من الحكومة.
عُقد اجتماع في شهر شباط الماضي لدراسة اقتراح المشروع، حضره قباني ووزير الدولة يوسف تقلا وممثلون عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وممثل عن وزارة العدل وآخر عن وزارة الصحة.
الحمض النووي هو المادة الكيميائية الأساسية لوحدة بناء الخلية في جميع الكائنات الحية، ومنها الإنسان. يحمل هذا الحمض الصفات والمعلومات الوراثية عن صاحبه ويحفظها بصورة مبرمجة ومشفّرة. أما «البصمة الوراثية» فهي الشكل الجيني للمواقع غير المشفّرة في الحمض النووي للشخص، الذي يكون ثابتاً وفردياً ويختلف بين شخص وآخر، إلا التوأمين الصحيحين. تحدد هذه البصمة من خلال كل أثر حيوي يُعثر عليه ويضبط، سواء على جسم الشخص أو على ثيابه، أو يمكن التعرف إليه من خلال تحليل أي مادة مصدرها جسم الإنسان، مثل الدم واللعاب والسائل المنوي والأسنان والأنسجة والعظام وغيرها...
ينص الاقتراح على إنشاء «قاعدة بيانات وطنية مركزية للبصمات الوراثية» لدى وزارة الداخلية والبلديات، في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وعلى أن يشرف عليها ويراقبها النائب العام لدى محكمة التمييز.
يهدف الاقتراح إلى التعرف إلى الجثث المجهولة والمساعدة في العثور على المفقودين
تخصّص قاعدة البيانات المذكورة للبصمات الوراثية التي تُرفع من مسارح الجريمة، وللعيّنات الحيوية المأخوذة من الجثث المجهولة، والعيّنات المأخوذة من ذوي المفقودين أو من المفقودين أنفسهم بعد ظهورهم أو العثور عليهم، وتخصص كذلك للعيّنات المأخوذة من الموقوفين والأشخاص المشتبه فيهم «بسبب وجود إشارات هامة إلى احتمال تورطهم في ارتكاب بعض الجرائم»، ومنها جرائم القتل أو الإيذاء قصداً، والجرائم الواقعة على الحرية والشرف، وجنايات الخطر الشامل، وتشمل الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي، ومنها: الخيانة والتجسس والعلاقات غير المشروعة بالعدو... إضافة إلى الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي، منها: جرائم الدستور، الإرهاب، والجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية. وأخيراً، تشمل جرائم الاغتصاب والخطف والمخدرات، وكل من عُمِّم بحث دولي عنه.
يهدف الاقتراح أساساً إلى التعرّف إلى هوية الأشخاص لتحديد علاقتهم بالجرائم، لكن يمكن الحديث عن حالات إضافية يمكن الاستفادة خلالها من الاقتراح المشار إليه، مثل تحديد النسب «في الحالات التي تكون مرتبطة بالجرائم»، والتعرف إلى الجثث المجهولة والمساعدة في العثور على المفقودين، وأخيراً يستفاد منه في تبادل البيانات والمعلومات مع المنظمات والهيئات الدولية وسائر الدول، «بغرض المساعدة على التعرّف إلى المجرمين عبر الحدود».
من جهته، أكد مسؤول أمني رفيع أن التحاليل المخبرية ستُجرى في لبنان، إذا أُقرَّ اقتراح إنشاء «قاعدة بيانات وطنية مركزية للبصمات الوراثية»، وبالتالي سيكون لبنان البلد الأول الذي يعتمد هذه التقنية في قوانينه بين الدول العربية. ولفت المسؤول الأمني إلى أهمية اعتماد هذه التقنية، إذ إن «العمل الأمني يأتي ضمن سلسلة مكمّل بعضها لبعض، وتحديداً في الأمور الفنية، وهذا ما يسهل علينا الوصول إلى الجاني والمشتبه فيه».
يتضمن الاقتراح إضافة مواد قانونية إلى قانون العقوبات، يسمح بموجبها بإخضاع المتهمين والمشتبه فيهم لفحص البصمة الوراثية، ويُعاقب كل من يرفض هذا الإجراء بالسجن لمدة سنة واحدة وبغرامة قدرها 3 ملايين ليرة لبنانية، إذا كان الجرم من نوع الجنحة، ويعاقب بالسجن لمدة سنتين وبغرامة قدرها 6 ملايين ليرة لبنانية إذا كان الجرم من نوع الجناية. كذلك يعاقب كل متهم أو مشتبه فيه يلجأ إلى المناورات للتهرب من فحص «البصمة الوراثية»، أو يستبدل عينته بعينة شخص آخر، مع رضى الأخير أو بدونه، ومن المقترح أن تحدد العقوبة في هذه الحالة بالسجن لمدة 3 سنوات وبغرامة قدرها 9 ملايين ليرة لبنانية.
يتضمن الاقتراح إشارة إلى إمكان محو البصمة الوراثية بعد الاستفادة منها، وذلك منعاً لحصول أي التباس أو استغلال لاحق، فيكون المحو وفق الحالات والإجراءات الآتية:
1 ـــــ تلقائياً بالنسبة إلى الآثار الحيوية عند تطابقها مع بصمة وراثية عائدة لأحد الأشخاص.
2 ـــــ بناءً على طلب الجهة الطالبة البحث «المنظمات والهيئات الدولية، وسائر الدول»، بعد موافقة النائب العام لدى محكمة التمييز.
3 ـــــ بناءً على طلب خطي من صاحب العلاقة وبقرار من النائب العام المختص بالنسبة إلى ذوي المفقودين والجثث المجهولة، وكذلك بالنسبة إلى المشتبه فيهم، إذا تبيّن انتفاء الحاجة إلى حفظ بصماتهم الوراثية. وأخيراً بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزيري العدل والداخلية والبلديات.


إنجازات عالمية

تُصنَّف تقارير الطب الشرعي أدلة جنائية، تساعد على التوصل إلى مرتكبي جرائم كبرى. بيد أن الاكتشاف الأهم، في هذا الإطار، تم على يد عالم الوراثة الدكتور إليك جيفري، فهو كشف عام 1984 عمّا بات يعرف بـ«البصمة الوراثية». أهم الإنجازات التي تحققت بفضل هذا الاكتشاف، تمثّل في التثبت من هوية الملك الفرنسي لويس السابع عشر، ابن ماري أنطوانيت، الذي فُقد أثره عام 1793، ثم تُعُرِّف إليه بعد أخذ عيّنة من شعر أمه. كذلك تُعُرِّف إلى مكان دفن العائلة القيصرية الروسية التي أعدم أفرادها عام 1918، وذلك بعد أخذ عينة من عظامهم ومقارنتها بحمض أقاربهم الذين ما زالوا على قيد الحياة. أسهم هذا الاكتشاف العلمي في تأكيد أبوّة الرئيس الأميركي الأسبق، توماس جيفرسون، لطفل أسود البشرة، وأثار هذا الكشف موجة اعتراض ذات طابع عنصري.
أخيراً وليس آخراً، ثبت للقضاء الأميركي عبر هذه التقنية العلمية وجود علاقة جنسية بين الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون وسكرتيرته مونيكا لوينسكي.