زينب صالححين تذهب لإجراء معاملة روتينية في أحد مباني الدولة، يدهشك المبنى الأنيق بديكوره. تستقل المصعد واثقاً بمواطنيتك وهويتك، فالكل هنا لخدمتك. تتقدم وتجلس بانتظار موظف لا يلبث أن يطل عليك بقامته الطويلة وبذلته الرسمية الأنيقة. يطلب منك الأوراق والملفات، يتصفحها بتمعّن، فتعتقد أنها «فرجت»، لكنه سرعان ما يضعها في الدرج ويعطيك موعداً غير محدد لتسلمها.
تخرج مرتاح البال، تذهب إلى عملك، وتنتظر. يتصل بك يطلب منك أوراقاً إضافية، شرط أن تحضر شخصياً، فتقطع لأجل ذلك المسافات. ويتكرر الأمر مرات ومرات إلى أن يسألك أحد الأصدقاء: «ما دفعت شي؟»، فتجيب واثقاً: «بلى، دفعت رسوم المعاملة كاملة»، فيهز برأسه ضاحكاً ويقول متهكماً: «إيه انطر لكن...». عندها، تفهم. تنتظر حتى آخر الشهر حين تتقاضى راتبك، تقتطع منه مبلغاً محترماً وتذهب إلى ذلك الموظف من جديد، لا لتعطيه أوراقاً إضافية، بل لتسلمه مبلغاً من جنى تعبك. عندها، يبتسم ويعطيك موعداً ثابتاً. تنزل وأنت تفكر متسائلاً كم لبنانياً في مثل حالك؟
هل المواطن مسؤول عن شراء أفخم السيارات لمثل هؤلاء في الوقت الذي يركب هو أوضعها؟ وهل هو ملزم بتعليم أبنائهم في جامعات فرنسا فيما لا يدخل الكثير من شبابنا الجامعات حفاظاً على الوضع المستور لعائلاتهم ويذهبون عوض ذلك إلى أسواق العمل؟ ومن المسؤول عن الرشوة؟ مسؤولوهم الذين يشاركونهم الغنائم، أم المواطن المسكين الذي يعلم أن معاملته لن تبصر النور إلا إذا تورّط في دفعها؟!