لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

حسام كنفاني
طار موعد «إنهاء الانقسام الفلسطيني» في السابع من تموز. لم تثبت مصر على موقف رفض التأجيل والتهديد بالويل والثبور لمن يمسّ بهذا «الموعد المقدّس». الخلافات كانت أعمق من أن تبقى القاهرة على موقفها، لكن المفارقة الحالية هي أن الخلاف القائم ليس على النقاط الأساسية للأزمة، بل على صيغة التسوية المعروضة على حركتي «فتح» و«حماس»، والتي لا ترتقي أساساً إلى مسمّى «إنهاء الانقسام».
الجولة السادسة من الحوار، التي انتهت أول من أمس إلى فشل، لم تكن معنية في الجذور الأساسية للخلاف الفلسطيني ـــــ الفلسطيني، سواء بالنسبة إلى المصالحة الفعلية بحكومة وحدة وطنية أو عودة الاندماج بين الضفة الغربية وقطاع غزّة مؤسساتيّاً أو حتى الاتفاق على صيغة وحدويّة للأجهزة الأمنيّة. نقاط تمّ تجاوزها في وثيقة الاتفاق المصري المعروض في إطار صيغ تجميليّة، تبقي الوضع عملياً على ما هو عليه، لكن في إطار عنوانه المصالحة وإنهاء الانقسام.
الخلاف اليوم هو على هذا «التجميل»، بغض النظر عن أزمة المعتقلين التي تتبارى الحركتان في تبادل الاتهام بشأنها؛ فكل من «حماس» و«فتح» تريد تخريجة انتصار، وأن يوضع الاتفاق في خانتها. الأمر مؤمّن في بعض جوانب الوثيقة المصرية، إذ إنه يمنح كلاً من الحركتين بعض معطيات تحقيق الإنجازات، إلا أنه يبدو غير كافٍ.
الوثيقة التجميلية المصرية تنص على بقاء الوضع على ما هو عليه في قطاع غزّة، أي إن لجنة الإشراف وتصريف الأعمال المرتقبة لن تكون بديلة من حكومة إسماعيل هنية القائمة حالياً، بل ستكون مهمتها مقتصرة على إعطاء صفة إشرافية لمحمود عباس على أمور قطاع غزّة، الذي سيبقى عمليّاً تحت سيطرة «حماس».
مثل هذا البند يُخرج «حماس» منتصرة من معارك الانقسام والعدوان الإسرائيلي على غزة، فحكمها لن يتأثّر مرحليّاً، بل سيتحرّر من الحصار والضغوط الدوليّة ولن تضطر إلى إعلان موافقتها على شروط اللجنة الرباعية، ولا سيما أن الاتفاق في نقطته الثانية ينصّ على فتح المعابر الإسرائيلية، إضافة إلى معبر رفح وفق صيغة اتفاق عام 2005.
هنا يبدأ الخلاف التفصيلي، إذ إن اتفاق عام 2005 لا يعطي «حماس» أي دور في الإشراف داخل معبر رفح، وإذا كانت الحركة قد قبلت بالأمر على مضض، فإن مطالبتها اليوم هي في دور إشرافي خارجه، وأن تكون معنية مباشرة بإجراءات الخارجين منه والداخلين إليه، إضافة إلى ضمان بقاء المراقبين الأوروبيين داخل القطاع أو في الأراضي المصرية، وعدم تأثّر عملهم بأي أحداث أمنية.
خلاف تفصيلي آخر يتصل بالقوة المشتركة، التي من المفترض تأليفها في المرحلة التالية لـ«إنهاء الانقسام»، والتي ستتولى قوّات عربية تدريبها لتكون نموذجاً لإصلاح الأجهزة الأمنية. الخلاف هو تركيبة ومكان وصلاحية هذه القوة في المرحلة التأسيسيّة، التي قد تدوم طويلاً، ليبقى أمن قطاع غزة والضفة الغربية منفصلاً ومستقلاً.
كذلك، فإن للانتخابات الرئاسيّة والتشريعية المرتقبة مطلع العام المقبل حصة من الخلاف، ولا سيما أن الطرفين لم يحسما رأيهما بشأنها، سواء بالنسبة إلى قانون الانتخاب، أو حتى للموعد. فرغم الاتفاق في الجولات الأولى للحوار على 24 كانون الثاني 2010 موعداً للانتخاب، إلا أن التعديلات التي طرأت على صيغة الاتفاق النهائية، وعمليات الترحيل التي طالت جميع ملفاته، سمحت لحركة «حماس» بطرح ترحيل الاتفاق على موعد الانتخابات.
فالترحيل كان سبق أن أصاب بند منظمة التحرير الفلسطينية ووضعه في لجنة فلسطينية، لينتقل إلى حكومة الوحدة الوطنية ويستعاض عنها بلجنة تنسيق فصائلية، ثم ضرب توحيد الأجهزة الأمنية لتحل مكانه المشتركة. وحتى بند المصالحات الداخلية حوّل إلى لجان فرعيّة تنتظر الأموال العربية لاستكمال دفع الدّيّات لضحايا الاقتتال الداخلي. عملياً لم يبتّ أيّ ملفّ من ملفات الانقسام، فلماذا تبقى الانتخابات استثناءً؟
بين الترحيل والخلافات التفصيلية، ستبقى الحال على ما هي عليه، سواء بتوقيع اتفاق إنهاء الانقسام أو من دونه؛ فصيغة الاتفاق التي تريدها مصر، وتسير فيها حركتا «حماس» و«فتح»، لا تغيّر كثيراً في الواقع الفلسطيني، بل تكتفي بإضفاء لمسات شرعيّة على ما هو قائم فعلاً، وبالتالي تعطي غطاءً عربياً ودولياً، ولو مرحلياً ومؤقتاً، للصيغة الكونفدرالية بين قطاع غزة والضفة الغربية.
ووفق دروس التاريخ الفلسطيني، منذ اللجوء مروراً بالمفاوضات وإلى اليوم، فالمؤقّت يتحوّل تلقائياً إلى دائم، بانتظار «الحل النهائي».