مها عيسىنظّمتْ بلديّةُ راشيّا الوادي لمناسبة عيد التجلّي، وللمرّة السادسة، رحلةً إلى جبل الشيخ تتضمّن الصعودَ في فجر اليوم التالي إلى قمّة هذا الجبل لإقامة قدّاس ومشاهدة شروق الشمس فوق فلسطين وسوريا ولبنان في آن واحد.
من بيروت انطلقنا. كانت مشاعرنا خليطاً من التوق إلى زيارة هذا الجبل، ومن الدعم لمبادرة هذه البلديّة إلى خلق مساحة لمنطقتها على خريطة سياحة وطنية تحتلّ فيها بيروتُ أكثر من حصّتها. بلغْنا مكان التخييم. لم يكن المكان يوحي بأية روحانية، بل كان أشبه بموقف سيّارات نُصبت الخِيمُ على أحد جوانبه، وعلى الجانب الآخر خيمةٌ ضخمةٌ للكافيتيريا تصْدح منها ألحان صاخبة وتفوح منها روائح المشاوي والنراجيل. استباحة المكان كانت أعنف مما توقّعنا، ما جعلنا نستنتج أنّ البلدية لا تسعى إلى المحافظة على روحانية المكان، بل تسعى فقط إلى تحويله إلى مكان سياحي بحسب المعايير المقبولة في لبنان، إضافةً إلى ذلك، لم تفِ البلدية بما وعدتنا به: فلا عشاء ولا إيواء ولا من يحزنون. وحالنا كانت حالَ عدد كبير من الزوّار الذين ناموا في العراء والبرد وقيل لهم حين اشتكوا إنّ «العدد كبير، يفوق المتوقّع... وشكراً». ولكن كيف يصحّ ذلك، والبلدية تملك أسماء كلّ الزّوار منذ فترة من الزمن بداعي «الحجز» و»التصاريح» اللّازمة من جانب الجيش؟
قضينا الليلة مكدّسين كسمك السردين في خيمة صغيرة (كنا قد جلبناها معنا تحسباً)، تصمّ آذاننا موسيقى صاخبة لم تتوقف إلّا قبيل الفجر، وهو وقت النهوض لبدء المسيرة نحو قمّة الجبل.
لدرء البرد، حرق الحضور كلّ «جب» (نبات شوكي) كان على مرمى النظر، ليلفّنا الدخان. عند الشروق كنّا معلّقين بين الشمس والقمر. منظر رائع يذكّرك بهالة هذا المكان... وصِغر البشر.
سلكنا الطريق نفسه للعودة إلى المخيّم. هناك، ما ستره الليل كشفتْه الشمس: سهل من النفايات في كلّ مكان (لم يكن هناك أيّ تنظيم لسلّات المهملات حول المخيّم)، يتوسّطها موقف مكتظّ بالسيّارات الرباعيّة الدفع. منظر مقزّز، لا علاقة له بروحانيّة المكان، بل ينقلنا بعنف إلى عجقة المدينة وصخبها.
هذه التجربة مهدّدة «بالاستهلاك» غير الواعي. والسؤال الأساس يبقى: كيف تمْكن إدارة مواقع كهذه بطريقة تسمح بزيارتها مع المحافظة عليها لكونها جزءاً من تراث كلّ مواطن؟ أعتقد أنّ إدارة مواقع كجبل الشيخ يجب أن لا تعتمد على البلديّة وحدها، بل يجب أن تُصنّف أثرية وتُبرم قوانين صارمة على المستوى الوطني تحدّد كيفية استعمال المكان دون المسّ به (مثلاً: عدد السيارات المسموح به، تحديد مواقع إضرام النار، تنظيم الحمّامات وسلات المهملات إلخ...).