معتصم حمادة *تقف الحالة الفلسطينية أمام استحقاق فائق الأهمية، بُعيد عيد الفطر، يتمثل في استئناف الحوار الوطني الشامل، في جولة يُراد لها أن تكون الأخيرة، وأن تنتهي باتفاق يوقّعه الأمناء العامون للفصائل يضع نهاية لحالة الانقسام، ويفتح الباب للمصالحة الوطنية، ولإعادة بناء المؤسسات. لكنّها ليست المرة الأولى التي توصَف بها جولة للحوار أنها الأخيرة، وأنها المعنية بالوصول إلى الاتفاق الشامل. إذ سبق أن جرى الحديث عن هذا الأمر، لكنها انتهت إلى الفشل، وخاصة تلك الجولات الثنائية التي جمعت بين حركتي «حماس» و«فتح».
تختلف الجولة المقبلة عن سابقاتها، ليس فقط لأن القاهرة تريدها شاملة، بعدما نعت صيغة الحوار الثنائي ودفنتها، بل وكذلك لأن الوقت الذي يفصلنا عن موعد الانتخابات «الثلاثية» في 25/1/2010 أخذ يقصر، وأخذ يضعنا أمام استحقاقات دستورية لا بد أن تسبق الدعوة إلى هذه الانتخابات. من هنا، فإن أية محاولة لإفشال جولة ما بعد العيد، إنما تهدف، في ما تهدف إليه، إلى نسف الانتخابات.
والانتخابات في 25/1/2010 قضية في غاية الأهمية، فهي استحقاق دستوري لا يمكن تجاوزه، إذ في 24/1/2010 تنتهي ولاية الرئيس عباس وولاية المجلس التشريعي. وإن عدم إجراء الانتخابات في موعدها هذا، قد يدفع ببعض الخبراء للحديث عن تمديد ولاية الجهتين معاً، لكن مثل هذا التمديد سيمثّل صدمة سياسية للرأي العام، فضلاً عن أنه سيكون موضع تشكيك «خبراء» آخرين. فالرأي العام الفلسطيني فقد الثقة في المجلس التشريعي الحالي، الذي غيّبه نظام المحاصصة والمناكفة عن الوجود، وحوّله إلى عالة على الحالة السياسية الفلسطينية. وبدلاً من أن يؤدي دوراً في توحيد الوضع الفلسطيني، باعتباره المؤسسة التشريعية للسلطة الفلسطينية، تحوّل هو إلى عامل تقسيم وانقسام، ومصدر للتوترات السياسية. وبالتالي تفترض الضرورات الوطنية انتخاب «تشريعي» جديد ليحل محل «التشريعي» الحالي الذي ولد مشلولاً ثم ما لبث أن فارق الحياة. كذلك يفترض انتخاب رئيس جديد للسلطة، حتى لا يتذرّع طرف ما بأن الرئاسة فقدت شرعيتها، وينطلق من هذه النقطة نحو سياسات وإجراءات وممارسات تعمّق الانقسام وتزيد الوضع تفاقماً. لذلك لا بد من أن ينجز الاستحقاق الدستوري في موعده المحدد دون تردّد ودون إبطاء، ولضرورات وطنية ليست موضع نقاش.
والانتخابات استحقاق ديموقراطي، له في هذه الظروف قيمة مزدوجة. فإذا كان من حق المواطن في الحالات العادية أن يختار مؤسساته التشريعية في مواعيدها القانونية، فإن الظرف الراهن يعزّز من حق المواطن وحاجته، كي يعيد تشكيل مؤسساته التشريعية. فمنذ عام 2006 والحوارات الفلسطينية على قدم وساق، وصارت حاجة ملحّة بعد الانقسام في 14/6/2007. ومع أن بعض مؤسسات المجتمع المدني شاركت في بعض هذه الحوارات، إلا أن المواطن لم تتيسر له الفرصة ليقول رأيه في ما يجري على أرض وطنه وكي يحوّل قوله هذا إلى فعل مؤثر في الحالة السياسية. لذلك يجدر التأكيد أنه حان الوقت ليقول المواطن العادي رأيه في ما يجري على الأرض من تطورات، ويسائل الذين منحهم ثقته في الانتخابات الماضية ويسألهم عن الأمانات التي أودعت في رقابهم وعن الواجبات التي ألقيت على عاتقهم.
إن انتخابات 25/1/2010 هي الفرصة الذهبية ليقول المواطن رأيه كما فعل في 25/1/2006، حيث اختار «حماس» نكاية في «فتح» والسلطة. لذلك من كان حريصاً ـــــ قولاً وفعلاً ـــــ على مصالح المواطن وظروفه «القاسية»، فعليه أن يزيل العراقيل أمام الاستحقاق الانتخابي. ونعتقد أن العائق الوحيد في هذا المضمار هو الانقسام، وأن معيار الإخلاص للعملية الدستورية والإخلاص لحق المواطن في إبداء رأيه، هو الدور الواجب القيام به لإزالة الانقسام ووضع نهاية له.
والانتخابات استحقاق ينقل النظام السياسي الفلسطيني خطوات إلى الأمام، وخاصة في تكوين المجلس الوطني الفلسطيني، بعيداً عن نظام الكوتا، والصفقات الفوقية، وبعيداً عن نظام المحاباة، والتعيينات البيروقراطية لمصلحة عملية ديموقراطية تنظّم العلاقة بين القوى السياسية نفسها، كما تنظم العلاقة بين هذه القوى وبين الناخب ـــــ المواطن، الذي سيكون له رأيه في اختيار من يمثله في هذا المجلس. وبعدما دعا هذا المجلس في 26/8/2009 إلى عقد جلسة خاصة لاستكمال عضوية اللجنة التنفيذية، تصاعدت أصوات (بغير وجه حق) طعنت في شرعية هذه الجلسة، وبشرعية الدعوة لها (رغم أن الدعوة جرت بموجب النظام الداخلي للمجلس). الآن تقف هذه الأصوات أمام الفرصة ـــــ الاستحقاق، لتفسح في المجال أمام الخروج من هذه الدائرة المفرغة لمصلحة عملية انتخابية ديموقراطية، تعيد رسم العلاقات بين القوى على أسس ديموقراطية بحيث تُصاغ الوحدة الداخلية وفقاً لموازين القوى الجماهيرية لكل طرف مع ضرورة أن تتوافر لهذه العملية الديموقراطية أجواؤها الصحية، بعيداً عن الضغوط المالية والإغراءات الوظائفية، والتهديدات بقطع الأرزاق أو الترهيب بأساليب مختلفة، أو الاستقواء بالعوامل الإقليمية والخارجية.
بعد هذا، يجب أن نلاحظ معاً:

لا يجوز رهن انتخابات 25/1/2010 بنتائج الحوار، بل يمكن اعتبارها أحد مداخل حلّ الخلاف

أن التحضير للانتخابات وفقاً للاستحقاقات الدستورية، يبدأ قانوناً مع مطلع الشهر العاشر من هذا العام. وهذا يفرض أن يصدر الرئيس عباس مرسوماً بالدعوة إلى هذه الانتخابات وأن يكلف اللجنة المركزية للانتخابات أن تجري الاستعدادات اللازمة لذلك، بما فيها إعداد لوائح الشطب، والكادر المختص.
يفرض هذا الأمر أيضاً أن يكون بحوزة «اللجنة» قانون الانتخابات المعتمد، وبناءً عليه تُجري إعداداتها. لقد سبق للمجلس المركزي في أربع دورات له، وللجنة التنفيذية أن أقرا نظام التمثيل النسبي الكامل، وبناءً عليه أصدر الرئيس عباس قراراً باعتماد هذا المبدأ في كل الانتخابات. الاستحقاق الانتخابي يفترض صدور قانون لانتخاب المجلس التشريعي (الضفة والقطاع دائرة انتخابية واحدة بموجب التمثيل النسبي) وقانون لانتخابات المجلس الوطني. وهكذا تكون الحالة الفلسطينية قد انسجمت مع مرجعيتها السياسية الأعلى، ومع نتائج الحوارات في القاهرة للفترة ما بين 10ـــــ 19/3/2009.
تتحدث قيادات «حماس» عن ضرورة التوافق أولاً قبل الذهاب إلى الانتخابات. وتتحدث أوساطها عن خلافات ما زالت تعوق الوصول إلى هذا التوافق. وهذا أمر يهدد بنسف الانتخابات وإدامة الانقسام، أو تحويل الانتخابات إلى ورقة مساومة وضغط على أطراف الحوار. هذه قضية يفترض أن تعالجها جولة الحوار المقبلة في القاهرة. إذ لا يصح ـــــ من حيث المبدأ ـــــ حرمان القطاع حقه في المشاركة في العملية الانتخابية، أي لا يحق لأحد أن يأخذ القطاع رهينة يساوم عليها مقابل إشراكه في الانتخابات.
لنفترض ـــــ سلفاً ـــــ أنّ الحوار لم يتوصل إلى حل كل القضايا العالقة، ماذا يمنع لو أن الانتخابات تحولت هي إلى حلّ؟ أي أن تذهب كل الأطراف إلى الشارع وتحتكم إليه، وليكن البرنامج الانتخابي لكل طرف هو وجهة نظره في حل القضايا العالقة التي لم يتوصل الحوار إلى حلول لها.
خلاصة الكلام أن تاريخ 25/1/2010، هو موعد مع استحقاق دستوري مهم ومفصلي في الحياة السياسية الفلسطينية، ولا يجوز رهنه بنتائج الحوار الوطني الشامل، بل يمكن اعتباره واحداً من المداخل إلى حل قضايا الخلاف، والاحتكام إلى الرأي العام يوفر لكل الأطراف أن تكون شريكاً في الحوار، وأن تقول رأيها علانية، بلغة واحدة، هي اللغة نفسها التي تستعملها خلف الجدران، ومع وسائل الإعلام، وفي التوجه إلى الرأي العام.
* عضو المكتب السياسي
للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين