علي قعفرانيفي لبنان، أنت حرٌ في كل ما تفعله إلى أن تُسَوّل لك نفسك أن تُحب! فللحب في وطن الأرز شروط ضرورية ليكون مقبولاً من قبل المجتمع وفي عيون الدولة. لكن هذه الشروط لا يمكن التفاوض في شأن صحتها أو منطقيّتها. هكذا لا تفكر أبداً في أن تتهور وتقدم على فعل الحب دون مباركة رجال الدين، وهم ناشرو المحبة المفترضون بين الناس! مباركة لا تأتي إلا عندما تبقى أنت وحبك الموعود داخل «قن الطائفة» الذي تنتمي إليه. أما السبب الخطير وراء ذلك فهو منعاً لأي اختلاط غير محمود العواقب مع الطوائف أو المذاهب الأخرى أو ربما يكون درءاً لغضب السماء جرّاء تفشّي المحبة بين أبنائها المتنوّعين طائفياً!
من جهة ثانية، ترى النواب اللبنانيين الأشاوس يشجعون السياحة «الدستورية» في قبرص التي نزورها درءاً لخطر تعديل دستورنا اللبناني المقدس، إذ لم تتوان إحدى المشرّعات الجدد في برلماننا العظيم عن السفر على جناح سرعة المدنية إلى قبرص حيث يتوافر العلاج كي تشفى من مرضها وهو حبّها لرجل من غير دينها.
أن يذهب المواطن العادي لعقد قرانه في قبرص هرباً من السجون الطائفية والمذهبية التي تحفل بها بلادنا أمر يمكن تفهّمه. لكن أن نرى مشرّعاً لبنانياً تضيق به سماء الوطن (كلنا تحت سمائه!) فيختار سماء قبرص لأن تكون شاهداً على زواجه هو حتماً بالأمر المستغرب والمستهجن!
ماذا إذا سأل مواطن قبرصي بسيط عن سبب زيارة المُشَرّع اللبناني لبلاده؟ هل يعود السبب إلى مرض «العقم التشريعي»؟ وبماذا تختصر بعدها مسؤولية المُشَرّع في مجلس نواب الطوائف في لبنان؟
عندما يصبح السفر سبيلاً لحل مشكلة ما، لا تكون الدساتير الدينية الموجودة تغطي كلّ الحالات المحتمل حدوثها، اللهم إلا إذا جرى الاتفاق تماماً ونهائياً على تحريم انتشار المحبة بين أتباع الأديان (فما نفع حوار الأديان بعدها؟!). عدم القدرة على إيجاد الحل لا يُحْسَب بأي حال من الأحوال تقليلاً من شأن هذه الدساتير. بل ذلك يعني الحاجة إلى الوعاء الدستوري الأوسع القادر على تلبية حاجات المواطنين كافة، ألا وهو المدنية. وهنا، لا يجب الوقوف على خواطر رجال الدين لمعرفة رأيهم في الموضوع. لا شأن لهم به ما دام لا يلغي الزواج الديني. أم أننا بتنا نخجل ونتجنّب النطق بكلمة «المدنية» لكون ذلك يُعَدّ جنحة أو جناية بحق الأديان ورجالاتها؟
أخيراً، وللراغبين في الزواج المدني قسراً خارج البلاد، ولمزيد من التفاصيل المادية والقانونية بما خصّ ذلك، بات هناك نائب مرجع في هذه الأمور... وبالرفاه والبنين!