يعيش أبناء مخيم البداوي حالة من القلق نتيجة الإجراءات الأخيرة التي اتبعها الجيش اللبناني عند مداخله، وانتشار شائعات عن وجود جماعات أصولية داخل المخيم أو في محيطه. تكرار مأساة البارد كابوس يقضّ مضاجع كثيرين وضّبوا حقائبهم للهروب في أي لحظة رغم الطمأنات
مخيم البداوي ـ عبد الكافي الصمد
«نعيش في حالة قلق دائمة، والناس خائفون من شيء ما قد يحصل. الوضع بصراحة لا يطمئن». ما تقوله إكرام قيس، ليس سوى غيض من فيض مشاعر الاضطراب الموجودة في مخيم البداوي الذي يعيش أهله في ظل «كابوس» تكرُّر «مأساة» مخيم نهر البارد.
هذه الأجواء المتشائمة التي تخيّم فوق البداوي اليوم، تنبع من الإجراءات الأمنية التي اتخذها الجيش اللبناني في محيطه، والأحاديث عن احتمال لجوء مجموعات أصولية إليه، للاحتماء فيه وتوريطه إذا تطورت الأمور، فضلاً عن وجود أجواء «غير طبيعية» داخل المخيم لا تبعث على الاطمئنان بالنسبة إلى الأهالي.
هذا ما يدفع إكرام إلى التأكيد أن «معظم أهالي المخيم وضّبوا أوراقهم وأغراضهم الشخصية ومقتنياتهم الثمينة في شنطة وحطوها على جنب، حتى لا يحصل معهم ما حصل مع أهالي البارد». وتلفت إلى أن عائلات كثيرة من أهالي المخيم «عمدت في الآونة الأخيرة إلى اعتماد خطوات احترازية، فاستأجرت منازل خارج المخيم، وتحديداً في طرابلس، حتى لا نتشمطط في الشوارع مثلما حدث مع نازحي البارد».
أما منى الحاج فتردّ هذا الخوف المتنامي عند أهالي البداوي إلى إجراءات الجيش في محيط المخيم التي «تذكرنا بما حصل في المرحلة الأولى من أزمة البارد. كذلك إن الحديث عن وجود خلايا من فتح الإسلام رفع مستوى القلق عندنا»، إضافة إلى أن «الوضع الأمني داخل المخيم ليس ممسوكاً كما يجب، فالفصائل والتنظيمات كثيرة، والسلاح متوافر بين أيدي الجميع، وعند أول تكة قد ينفجر الوضع». وعند لفت نظر منى إلى أن هذه الأجواء في البداوي ليست جديدة، تردّ قائلة: «من اكتوى بنار الحليب ينفخ للبن». وتطرح سؤالاً ترى أن عدم الجواب عنه يعني أن «الكارثة إذا وقعت فستكون مضاعفة»، فتقول إن أهالي البارد «لجأوا إلينا عندما نزحوا من مخيمهم، لكن إذا حصل شيء عندنا فإلى أين سيذهب هؤلاء الناس؟». وتضرب مثالاً على حالة القلق والخوف التي تنتاب أهالي المخيم، إذ «عندما فرّ عنصر تنظيم فتح الإسلام من سجن رومية قبل أيام (طه حاجي سليمان)، توجهت الأنظار باتجاه مخيم البداوي، والمذكور قد يلجأ إليه، فحصلت بلبلة كبيرة لم تنته إلا بعد القبض عليه».
هناك من وضّب أغراضه، وآخرون مطمئنون بعد زيارة استخبارات الجيش
هذا الواقع الممزوج بالقلق تشرحه أم محمد زيد بأنه «أصبح حديث الساعة في المخيم، فالكل يتحسبون لتطورات سلبية، الجميع متشائمون ولا يستبشرون خيراً، وهذا ما جعل حالة القلق في ارتفاع متزايد». وتضرب أم محمد مثلين على ذلك: الأول أن المخيم «يشهد حوادث فردية كثيرة في الآونة الأخيرة، وهذا نذير سوء. أما الثاني فهو أن الموقع العسكري الذي استحدثه الجيش اللبناني في تلة المنكوبين، في جوار موقع للقيادة العامة، جعل الجميع يخشون من دخول طابور خامس قد يفجر الوضع»، موضحة أن «كثيرين من أهالي المخيم باتوا يفضلون عدم سلوك الطريق المقابل للموقع العسكري المستحدث بسبب حساسية المنطقة، وإجراءات التفتيش المشددة لحاجز الجيش في المكان».
غير أن أبو جمال خليل يرى أن الزيارة التي قام بها وفد استخبارات الجيش اللبناني إلى المخيم قبل أيام، «خففت من قلق الأهالي بعد الطمأنات التي تلقوها، لأن الأمور كانت متجهة نحو التأزم، فالإجراءت الأمنية في محيط المخيم، والانتشار الأمني الجديد للجيش، والشائعات التي تناولت المخيم، لم يكن ينقصها إلا أن يقيم الجيش حواجز تفتيش عند مداخل المخيم، للتدقيق في أسماء الداخلين والخارجين إليه كما يحدث في مخيم عين الحلوة».
وجهة نظر الأهالي فسّرها مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـــــ القيادة العامة في الشمال، أبو عدنان عودة بأنها «نتيجة الضغط النفسي الثقيل عليهم، والشائعات والإجراءات الأمنية للجيش اللبناني، وهذا ما جعل وجود هذه الأجواء مبرراً». لكنه أكد أن «تكرار ما حدث في البارد، في البداوي، احتمال ضعيف، ومع ذلك فإننا نتخذ الاحتياطات لنزع فتيل».
ويرى عودة أن «ما حدث في البارد كان نتيجة حصول انقلاب داخل أحد التنظيمات، عندما استولى عناصر فتح الإسلام على مراكز فتح الانتفاضة وسلاحها، في موازاة دعم ومؤازرة حالة إسلامية سلفية متشددة، وهذه حالة لا وجود لأي أثر منها داخل البداوي».
ويرى عودة أن «السيناريو الوحيد الذي قد يوتّر الأجواء في المخيم هو احتمال حدوث إشكالات نتيجة الانقسام الفلسطيني، وانعكاس الخلافات داخل المخيمات ومنها البداوي، ما قد يدفع الجيش اللبناني للتدخل لفضّ النزاع بالقوة. حتى هذا الاحتمال يبقى ضعيفاً، لأن الفصائل كلها واعية للمخاطر التي سينتجها أي انفجار جديد في أحد المخيمات».
وإذ لا ينفي عودة «وجود عناصر إسلامية متشددة، قد تكون خلايا نائمة تابعة لفتح الإسلام في محيط المخيم، مثل المنكوبين ووادي النحلة والقبة والبداوي»، فإنه يؤكد أن «لا علاقة لنا بها لأنها خارج وجودنا، ولا امتداد لها داخل المخيم». لكنه نبه إلى أن «أي تصادم بينها وبين الجيش يؤثر سلباً على المخيم، لأن هذه المناطق متاخمة لنا، ولا تبعد عن المخيم سوى أمتار قليلة».
وعن العلاقة بين الفصائل والجيش يشدد عودة على أنه «يمثّل بنظرنا حالة وطنية يجب الحفاظ عليها، وهناك توجيهات من القيادات المركزية للفصائل بأنه غير مسموح تحت أي ظرف افتعال توتير أمني مع الجيش».
يرد عودة هذا الاطمئنان إلى تأكيد نائب مدير استخبارات الجيش اللبناني العقيد عباس إبراهيم خلال زيارته المخيم أخيراً مع مسؤول استخبارات الجيش في الشمال العقيد عامر الحسن، أنه «لن يكون هناك مخيم بارد جديد، وأن مخيم البداوي لن يكون مخيم عين الحلوة».