البداوي ــ عبد الكافي الصمدهل تتكرر حالة نازحي مخيمي تل الزعتر وجسر الباشا، الذين تركوا بيوتهم منذ أكثر من 30 سنة ولم يعودوا إليها بعد؟ مأساة أهالي مخيم نهر البارد، الذين غادروه مضطرين قبل سنتين، ولا يزالون مشرّدين خارجه، بلا مأوى يوفّر لهم الحد الأدنى من حاجاتهم، توحي بالإجابة بنعم، بعدما بات الخوف والقلق يساورانهم إلى حد اليأس من احتمال عودتهم ثانيةً إليه.
هذه السؤال كان حاضراً بقوّة أمس في المؤتمر الصحافي الذي عقدته هيئة المناصرة الأهلية لمخيم نهر البارد في مقر اللجنة الشعبية في مخيم البداوي، لمناسبة الذكرى الثانية لانتهاء المعارك في المخيم، والذي حمل شعار: «ما بين الآثار والإعمار لمن القرار؟ ما بين الإعمار والحصار أين القرار؟ طال جرحنا النازف، متى سينتهي؟».
الحشد داخل القاعة كان كبيراً، والعنصر النسائي فيه كان طاغياً على عكس ما كان يحصل في أي لقاء سابق، وهو ما فسّره البعض بأن «النساء هنّ أكثر المتضررين من تداعيات أي نزوح أو تهجير يحصل نفسياً واجتماعياً ومادياً، ولذلك جئن للمشاركة والتعبير عن رفضهن لما أصابهن».
عضو الهيئة عبد الله بركة تلا نص تقرير المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان (حقوق)، الذي أشارت فيه إلى أنه بعد مرور سنتين على انتهاء حرب البارد، «لا يزال مسلسل الانتهاكات مستمراً، فتأخّرت إعادة إعماره، وفُرضت قيود على حرية التنقل، والصحافيون ممنوعون من دخول المخيم».
الموضوع أكبر من الآثار وهي لن تكون مسماراً جديداً نتلهّى به
ولفت التقرير إلى أن الحرب أسهمت «في تهديم تامّ للمخيم، وتهجير آلاف العائلات»، وأنه إلى جانب «إعاقة عملية إعادة الإعمار، فإن الإجراءات الأمنية ما زالت تهين كرامة الأهالي عند الدخول والخروج، والصحافيون ممنوعون من الدخول بما يعني التعتيم على ما يجري». وإذ تحدث التقرير عن جرف المخيم القديم، وعودة نحو 900 أسرة فقط إلى المخيم الجديد، من أصل أكثر من 5500 أسرة كانت في المخيم قبل الحرب، وجمع نحو 20 مليون دولار من أصل 445 مليوناً هي تكلفة إعادة الإعمار، كانت «النتيجة أن كل الوعود لم يتمّ الوفاء بها بذريعة أو أخرى، وسكان المخيم الذين يعيشون داخله أو خارجه، يعانون أوضاعاً مأساوية اجتماعياً واقتصادياً».
أما عفاف شمالي، التي تحدّثت باسم هيئة المناصرة، فرأت أن «ما يجري الحديث عنه مجدداً بشأن الآثار وإثارتها الآن، يثير الكثير من التساؤلات، ويجعلها متساوقة مع مؤامرة تهجير أبناء المخيم والفلسطينيين في لبنان»، معوّلة على «حكمة بعض المرجعيات السياسية في لبنان، ومناقبية مجلس شورى الدولة للتصدي والوقوف في وجه الطعن، الذي قدمه العماد ميشال عون»، معلنةً «رفضنا أن نكون صندوق بريد لإيصال الرسائل إلى هذا الطرف أو ذاك».
ولفتت شمالي إلى أن فرق الآثار اللبنانية «لم تهتمّ بهذا الموضوع على مدى 80 عاماً، ولم يجرِ ترميم خان العبدة وقلعة حكمون في جوار المخيم، بل تحولت الأخيرة إلى مزرعة للبقر!»، داعيةً إلى «التعامل مع أهالي نهر البارد كشركاء لا كمهزومين، ودفع التعويضات للمتضررين، وترميم البرايمات، وإلغاء المخطط لإنشاء قواعد برية وبحرية».
بدورها عضو هيئة المناصرة منى واكد، أشارت إلى أن «الموضوع أكبر من الآثار، وهي لن تكون مسماراً جديداً نتلهّى به»، معترفةً بأننا «أخطأنا بقبولنا وعد الدولة اللبنانية بأن تتولى مسؤولية إعمار المخيم»، مشيرةً إلى أنهم «يستخدمون موضوع الآثار ليس فقط لحسابات سياسية محلية، بل أيضاً لوقف الإعمار وتهجير سكان المخيم، وردّنا على ذلك سيكون قضائياً، وتحركات شعبية، كما ندرس الدعوة إلى مقاطعة سلمية وشعبية للتصريح الأمني، الذي يعطى لفلسطينيّي المخيم».
ثم تحدث يوسف حمدان باسم لجنة نازحي مخيم نهر البارد في مخيم البداوي، فناشد الحكومة اللبنانية «ضرورة التدخل السريع من أجل تعجيل إعادة إعمار المخيم، وتخفيف الإجراءات الأمنية التي يتخذها الجيش اللبناني، وإلغاء نظام التصاريح».