أحدثت وفاة المواطنة زينب السرغاني بأنفلونزا «آي اتش 1 ان 1» موجة من القلق عند أبناء بلدتها الذين يشكون غياب أي تحرّك رسمي يبدّد مخاوفهم من وباء يقضّ مضاجعهم. وفي وقت ارتفعت فيه نسب مبيع الأدوية المضادة لأعراض الزكام والأنفلونزا في البقاع، كان لافتاً الحديث عن تهرّب أطباء من معاينة أصحاب الحرارة المرتفعة!
عفيف دياب
يسيطر الخوف والقلق على أهالي بلدة حي الفيكاني في البقاع الأوسط (قضاء زحلة) بعد وفاة زينب الدنا السرغاني جراء إصابتها، وفق تقرير وزارة الصحة اللبنانية، بأنفلونزا الخنازير. فالوفاة المفاجئة لم تحرّك حتى الآن ساكناً رسمياً لمعرفة مصدر العدوى التي أودت بحياة السيدة الثلاثينية مع جنينها في قرية بقاعية نائية.
وقد فتحت الوفاة الأولى من نوعها في البقاع بمرض الـ«آي اتش 1 ان 1» الباب واسعاً أمام تساؤلات أهلية عن اللامبالاة الرسمية في توفير مقوّمات الحد الأدنى لمعالجة المصابين بدل نقلهم إلى بيروت. فالجهات الرسمية، التي اكتفت بإعلان نبأ أسباب وفاة السرغاني، لم تقدم أجوبة واضحة عن غيابها وعدم تعميم المختبرات الطبية اللازمة على المناطق النائية والبعيدة عن العاصمة، بل اكتفت بالتحدث عن نيات طيبة لتأمين مختبرات كهذه، قد يطول انتظارها في البقاع الذي يعيش منذ أيام موجات من القلق والخوف والترقب من وباء لا يساعدهم أحد على مواجهته.
يقول رئيس بلدية حي الفيكاني، بسام دلول، الذي كان مجتمعاً إلى آمر فصيلة درك رياق للتباحث في قضية وفاة ابنة البلدة زينب السرغاني، إن أهالي بلدته «يعيشون في حال رعب وخوف بعد إعلان وزارة الصحة وفاة زينب بمرض أنفلونزا الخنازير. وللأسف، لم يتواصل أحد معنا، لا من وزارة الصحة ولا حتى من مصلحة الصحة في البقاع، وقد حاولت شخصياً التواصل مع وزير الصحة لجلاء حقيقة ملابسات وفاة زينب، لكنني لم أستطع التحدّث معه». يضيف دلول «لم تزرنا جهة رسمية واحدة حتى الآن، ولم يقدّم لنا أحد الإجراءات الوقائية الواجب اتخاذها، ولا حتى أُبلغنا بها هاتفياً. وإذا كانت أسباب وفاة زينب صحيحة، فعلى الدولة أن تتحرك بسرعة لمعرفة مصدر العدوى وكيف وصلت إلى المرحومة؟ حتى الآن لم نر سوى فصيلة درك رياق كجهة رسمية وحيدة تزورنا».
على وزارة الصحة تجهيز مستشفى زحلة بمختبر وجناح للعزل
كلام رئيس بلدية حي الفيكاني، التي تحتضن نحو عشرة آلاف نسمة، يؤكده قريب زينب السرغاني، المحامي زياد السرغاني، الذي يتابع ملف وفاتها مع الجهات المعنية. يقول إن العائلة «تريد أن تعرف مصدر العدوى، من حقّنا أن نسأل كيف أصيبت بأنفلونزا «آي أتش 1 أن 1» وحدها، ولم تنتقل العدوى إلى زوجها وأولادها؟ سؤالنا هذا برسم المسؤولين الرسميين للإجابة عنه بكل شفافية. فالجميع في العائلة يتمتعون بصحة جيدة». تمتّع عائلة زينب السرغاني بصحة جيدة، وعدم وجود عوارض تفيد بإصابتهم بالأنفلونزا، أكدهما أيضاً رئيس مصلحة الصحة في البقاع الدكتور أنطوان هرموش الذي أبلغ «الأخبار» أنه جرى توزيع أدوية وقائية على أفراد الأسرة: «ولم نلمس عوارض الإصابة أو العدوى عند أحد منهم، لكننا قمنا بواجباتنا». فيما رفضت جهات طبية معنية بالترصد الوبائي في المصلحة التحدث «إلا بإذن رسمي»، رافضة الكشف عن عدد المصابين في المنطقة أو عدد الذين تمّت معالجتهم.
من جهة ثانية، أسهمت وفاة زينب السرغاني بأنفلونزا الخنازير (وفق وزارة الصحة) ونقل سيدة بقاعية ثانية إلى مستشفى بيروت الحكومي لمعالجتها من المرض عينه، في رفع مستوى مبيعات الأدوية الوقائية بحدّها الأدنى في الصيدليات المحلية. فالخوف سيطر على الشارع المحلي مع ارتفاع الشائعات المتحدثة عن إصابات بالجملة والمفرق في أكثر من قرية وبلدة بقاعية. ويقول الصيدلاني الدكتور ربيع طه إن نسبة مبيع الأدوية المتعارف عليها لمواجهة الأنفلونزا الموسمية أو «الكريب العادي» ارتفعت ارتفاعاً ملحوظاً في مختلف صيدليات المنطقة. وهذا ما يكشفه أيضاً أصحاب مستودعات أدوية في منطقة زحلة. يقول أحدهم إن مبيع أدوية علاج أعراض الزكام والأنفلونزا «ارتفع بنسبة كبيرة خلال الأيام الماضية»، موضحاً أن نسب المبيع «لا يمكن مقارنتها بنسب مبيع العام الماضي بل تعدّتها كثيراً». فيما كشف أحد الأطباء في شتورة عن «بدء وجود ظاهرة عند أطباء يرفضون معاينة بعض المرضى الذين يعانون من ارتفاع في الحرارة أو من عوارض الأنفلونزا»، عازياً الأسباب إلى «تفضيلهم عدم تحمّل المسؤولية، وخصوصاً مع افتقار عياداتهم ومستشفيات المنطقة إلى قدرات مخبرية تسمح لهم بتشخيص الحالة المرضية». كما لفت إلى أن بعض الأطباء في المنطقة يعمدون إلى تقديم نصائح لمرضاهم بالتوجه إلى بيروت «لمجرد أنهم مصابون بالأنفلونزا»، مؤكداً أنه «لا داعي لإعلان حالة طوارئ صحية في البقاع، لكننا نرى أنه يجب على وزارة الصحة الإسراع في تجهيز مستشفى زحلة الحكومي بمختبر وجناح لعزل المصاب بدل نقله إلى بيروت».
التهرّب من تحمّل المسؤولية، يرفضه المدير العام لمستشفى البقاع في تعنايل محمد القرعاوي، إذ يقول إن «حالات كثيرة سُجّلت لمصابين بالأنفلونزا الموسمية أو الكريب والرشح، وللأسف الناس دخلوا في دوامة الوهم والخوف جرّاء غياب التوعية والتثقيف وإجراء الوقاية اللازمة، وبالتالي لا يمكن التهرّب من تحمّل مسؤولية معالجة كلّ شخص مصاب بعوارض الأنفلونزا أو الرشح لمجرد انتشار أخبار وباء أنفلونزا الخنازير»، مؤكداً أن مستشفيات البقاع عموماً «تستقبل جميع الحالات المصابة بعوارض الأنفلونزا الموسمية أو غيرها، وجميعها مجهّزة بغرف للعزل الاحتياطي»، داعياً أهالي المنطقة إلى عدم «الهلع أو الخوف لمجرد إصابتهم بعوارض الكريب»، ووزارة الصحة إلى «الإسراع في تعميم المختبرات المختصة على المناطق بدءاً من منطقة البقاع حيث سُجّلت عدة إصابات تمّت معالجتها في بيروت، وبدء تنظيم ندوات إرشادية للمواطنين وتوعية الناس على كيفية أخذ الإجراءات الوقائية».