لكن الأمور ليست بهذه البساطة في الواقع. فحين تتوقف في صيدلية وتسأل عن مستحضر يمكنك استخدامه كي لا تتخشب بشرتك من برودة هذا الطقس، وتدعوك الصبية بلكنة إنكليزية ممتازة لتجريب نوع من البحر الميت لأنه «مصنوع من مواد طبيعية، أكد جودتها أفضل خبراء التجميل في إسرائيل»، ستكتشف مدى تعقيدها.
ترى أي خبراء تجميل تقصد؟ أولئك المعنيون بتغيير وجه الاحتلال والحفاظ على صورة الصهيونية النقية من شوائب العرب؟ أم أولئك المسؤولون عن طمس الهوية والتاريخ وعن مصادرة الحق والغد والأرض؟
سألت الصبية التي كانت قبل قليل تمسك يدي وتضع عليها المستحضر: «هل أنت من هناك؟»، بصوت يأتي من بئر ملؤها الجماجم وشواهد الأضرحة وأطلال البيوت المدمرة. «نعم، أنا من إسرائيل»، قالت، لأجيبها بإصرار: «تقصدين أنك عشت في فلسطين المحتلة؟»، أمام إصراري، لم تملك سوى أن تقول: «مهما يكن، سمّها كما تشائين. أصلاً أنا من إسبانيا، لكن عائلتي هاجرت إلى هناك». لملمت نفسي وغضبي التاريخي المتراكم وقذفت بوجهها جملة واحدة قبل أن أغادر: «أنا من لبنان، جنوب لبنان، وعائلتي هُجّرت من فلسطين لتهاجر عائلتك أنتِ إليها». لا أدري كيف قادتني الطريق إلى سكني، والحيرة تتآكلني: «هل تصرفت تصرّفاً صحيحاً؟ هل كان عليَّ أن أنسحب دون أي كلمة؟».
أجبتها بإصرار: تقصدين أنك عشت في فلسطين المحتلة؟
لم أرتجف حين شعرت بقلبي قطعة من الخشب تنبض باليقين: ليس من منطق سوى أن نكون أو أن يكونوا. أما التسامح وثقافة السلام والحوار، فكله مستحيل.
منذ ذلك اليوم الذي كانت لشمسه شكل نجمة داوود فوق رأسي، وأنا أسير متلحّفة بكوفية «بيضاء وسوداء»، تماماً كما هي معادلات الحياة الأوضح. هكذا أعلن لهم أنني لست عقلانية ولا منطقية ولا محايدة: ما زالوا أعداء، وما زلنا نحن وهم على ضفتين لا تلتقيان ولا جسر يربطهما.
أنا منحازة وعنصرية وخشبية الأفكار واللغة، وذلك حتى إشعار آخر، حتى تموت فيّ أغنية تبشّر أننا «نرجع بعد قليل».