strong>يفصل شارع واحد فقط بين الشياح وعين الرمانة. ويفصلهما أيضاً خلاف سياسي وتاريخ قديم، عاد أمس إلى الذاكرة، بعد الخلاف بين شبان من المنطقتين، أدى إلى وفاة الشاب جورج أبو ماضي. يلقي التوتر بثقله على عين الرمانة، بعد زلزال أول من أمس، أما الخوف، فمن التداعيات أحمد محسن
كان جورج يستعدّ لإتمام زفافه في العشرين من الشهر الآتي. 13 يوماً تفصله عن مرحلة جديدة من حياته فقط. لكنّ الأمر لن يحصل. انتهى كل شيء أمس. عاجلوه بطعنةٍ في القلب، وطعنتين أخريين في أماكن أخرى من جسده. كأن القاتل كان بلا وعي، وقد أصرّ على ارتكاب القتل. حدث ذلك على مقربة من منزل جورج أبو ماضي في منطقة عين الرمانة، فيما كان متوجّهاً إلىه. توقف الشاب برهة ليراقب العراك الدامي بين الإخوة الذين فرّقتهم الطوائف. لم يكن على علم بشيء. كان في الطريق إلى منزله وحسب، حين قتلوه بقسوة. بقيت دماؤه على جدار المبنى الذي يقطنه، حتى ساعة متأخرة من ظهيرة أمس، شاهدةً على موته، هو الموظف العادي، البريء من حروب «الزعران» والطوائف.
تضاربت الروايات بين سكان المنطقتين. في عين الرمانة يقولون إن شباناً من الشياح يأتون يومياً على دراجاتهم النارية، ويزعجون الجميع، وطبعاً لا يقصدون أن أصوات الدراجات هي المزعجة وحدها. في رأي بعض المواطنين في شارع المراية، وجود شبان من الشياح في عين الرمانة يعدّ بحد ذاته فعلاً استفزازياً لهم. أما عن حادثة أمس، فقد أصرّ الجميع على أن تلاسناً تطور، وأتى بعده «عشرات» الشبان من الشياح، وحدث ما حدث من تصادم. ثمة رواية مختلفة في الشياح. ينفي مواطنون هناك أي خلفية حزبية أو سياسية للموضوع. يجزمون بأنه فردي تماماً، وأنهم مع معاقبة القاتل. ليسوا سعداء بما حصل، رغم أن بعضهم أصرّ على ضرورة «الاستنفار لما هو آت». يرفضون «الصيت» الشائع عن الشياح أن شبانه «يفتعلون المشاكل دائماً». في رأي أكثر من واحد منهم، هذه النوعية من الشبان موجودة في كل الضواحي الأخرى. وفي العودة إلى حادثة أمس، فإن شهادات المواطنين في الشياح تفضح التناقض الحقيقي بين الطرفين، وأساس هذا التناقض واضح في معطيات سكان شارع المصبغة عن بداية القصة. يتحدث الناس في المصبغة عن خلافات فردية بين مجموعة من الشبان كانوا يلهون معاً، تطورت إلى عراك وتضارب. وحسم مسؤول أمني رفيع الالتباس القائم، فأكد في حديث مع «الأخبار» أن الرواية الأمنية الرسمية مختلفة كلياً، وأن الأمر كله بدأ بسبب «البينغو» (نوع من أنواع القمار). وفقاً للمسؤول الأمني، فإن مجموعة من الشبان، من عين الرمانة ومن الشياح، كانوا يلعبون «البينغو» في ساعة متأخرة ليل أول من أمس، داخل أحد الأماكن المخصصة لذلك في عين الرمانة، قبل أن ينشب خلاف بينهم، ويتعرّض خلاله أحد الشبان من الشياح لضربٍ مبرح في المحل. لم يسكت الأخير. عاد بعد قليل، ومعه أصدقاؤه، فوقع شجار عنيف استعملت فيه العصي والسكاكين، ما أدى إلى مقتل جورج الذي صودف مروره في المكان. ولفت المسؤول الأمني إلى أن دورية من قوى الأمن الداخلي قبضت على أحد المشتبه فيهم بالتورّط في الإشكال، وقد أدلى الأخير باعترافات أمام المحققين، ما مكّن استخبارات الجيش اللبناني من القبض على ثلاثة مشتبه فيهم أساسيين في الحادثة. وكانت فرقة المغاوير في الجيش قد ألقت القبض على عدد من المشاركين والموجودين فور وقوع العراك، قبل أن يطلق سراح عدد منهم، والاكتفاء بالتحقيق مع أربعة مشتبه فيهم رئيسيين. وأثارت التوقيفات التي قام بها الجيش غضباً في أوساط أهالي عين الرمانة، في بداية الأمر، علماً بأن الجيش أطلق سراح عدد كبير من الموقوفين في وقتٍ لاحق. وقد أكد مسؤولون حزبيون في الشياح نيّتهم عدم التدخّل نهائياً في التحقيقات، وأنهم يثقون بالجيش.
وللمناسبة، من الظلم القول إن مكان الحادثة يفصل منطقتين اثنتين. يصعب التصديق أن المكان ليس منطقةً واحدة. هذه الطريق التي ترسم حدود الديموغرافيا هناك، منذ حادثة البوسطة المشؤومة، أصغر من أن تكون شارعاً، وأكبر من أن تكون زقاقاً. يسهل رؤية ذلك بالعين المجردة، من دون الحاجة إلى مهندسين مدنيين. الواقع الحالي صمّمه مهندسو الحروب. فصلو الطريق، فصارت تؤدي شرقاً إلى شارع الأسعد في الشياح، وغرباً إلى عين الرمانة. اندسّ بعض من هؤلاء في أوساط الفريقين، منذ انتهاء العراك حتى ليل أمس. أنجبت الذاكرة صوراً قديمة، غذّتها بعض الدعوات الطائفية والعنصرية. أحد الشبان في عين الرمانة كان يسبّ النائب ميشال عون بصوتٍ مرتفع. تناسى أن الشهيد جورج كان «عونياً». شاب آخر يسأل عن عشرات الدراجات النارية التي تدخل إلى «منطقته» يومياً. امرأة أخرى كانت تناشد الجيش من على شرفة منزلها. بدت خائفة وبشرتها صفراء. أكثر من ذلك، أحد المواقع الإلكترونية ذكر أن المواطنين محمد حوري الذي يعمل في شركة لإيصال البريد الخاص، والطالب حسين مراد، تعرّضا لضرب مبرح في منطقة عين الرمانة، ما استدعى نقلهما إلى أحد المستشفيات، وذلك نتيجة التشنّج الذي يخيّم على المنطقة منذ الحادثة. وكان الصمت مشابهاً في الشياح. يرفض الناس هناك حماية القاتل، كائناً من كان. بيد أن بعض التصريحات السياسية التي صدرت عقب الحادثة عن بعض قوى الموالاة استفزّت بعضهم كثيراً. ذكّر شاب من بينهم بشاب آخر قضى بطلقٍ ناري، أطلقه «قواتيون» أثناء احتفالاتهم التي تلت خروج رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع من سجن وزارة الدفاع في اليرزة. أحد الرجال في شارع عبد الكريم الخليل أشار بإصبعه إلى صورة لشهداء مار مخايل داخل محلّه التجاري. للأسف، عدّها «واحدة بواحدة». كل شيء في هذا البلد يخضع للمحاصصة، حتى الموت. لكنّ! أحد الشبان بدا أكثر تعقّلاً من الرجل، فرفض فكرة القتل من أساسها، مشيراً إلى أن هذه الحوادث تحدث يومياً (العراكات بين الشبان).
في المحصّلة، رغم توافق الطرفين على ضرورة معاقبة الفاعل، إلا أن ذاكرة أغلب المواطنين تفاعلت هناك. استعادت الصور البشعة. الموت لا يأتي إلا بالبشاعة. وفيما سيطرت حالة من التوتر على الأحياء الداخلية، لم تلتزم جميع المحال التجارية في عين الرمانة وفرن الشباك بالدعوات التي صدرت وشجعت على الإضراب التام. تأمّل الناس أن يكون الإشكال فردياً، وأن الجيش مسيطر على الوضع الأمني. وفي الحديث عن الوضع الأمني، نقل أحد المواقع الإلكترونية خبراً، أمس، مفاده أن المحققين يشتبهون في وجود أصوليين اثنين متورطين في الحادث، وهو الأمر الذي نفاه مسؤول أمني رفيع لـ«الأخبار»، الذي وصف خبراً كهذا بالـ«الخرافة».

ردود فعل واستنكار عام

تلقّى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، فجر أمس، اتصالاً من وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، أطلعه فيه على تفاصيل الإشكال الذي وقع في منطقة عين الرمانة، كذلك اتصل بدوره بقائد الجيش العماد جان قهوجي، واطّلع منه على التفاصيل وعلى الإجراءات التي اتخذها الجيش لتوقيف الفاعلين والمسبّبين لهذا الإشكال. وفي السياق نفسه، صدرت ردود فعل متعددة من معظم الأفرقاء السياسيين، بدأت من بعبدا، حيث تقع عين الرمانة، حيث عقد نواب دائرة بعبدا اجتماعهم الدوري بعد ظهر أمس، في المجلس النيابي، وتحدث النائب حكمت ديب عن الحادثة بعد الاجتماع، فأعلن أسف الكتلة للحادث الذي أودى بحياة «الشاب الصديق العزيز الذي ينتمي إلى التيار الوطني الحر جورج أبو ماضي»، معلناً استنكار الكتلة للحادث المفجع، وداعياً إلى عدم تضخيم الحادث، وواصفاً مرتكبي الجريمة بالزعران. وفيما أسف ديب لما وصفه بالاستغلال السياسي للحادث، شدد النائب ناجي غاريوس على «ضرورة التحلّي بالمسؤولية خلال التعليقات الصادرة عن الأطراف السياسية»، داعياً الجميع إلى «الابتعاد عن التحريض المذهبي والاستغلال السياسي، في انتظار نتائج التحقيق في جريمة عين الرمانة التي أودت بحياة الرفيق جورج أبو ماضي». وفي الإطار ذاته، أبدى حزب الوطنيين الأحرار، في بيان له أمس، استياءه من «السلطات اللبنانية التي باتت تسلّم بوجود مربعات أمنية محددة ومعروفة». وتوجه الحزب بأحر التعازي إلى ذوي الشهيد الشاب جورج أبو ماضي، متمنياً «الشفاء العاجل للجرحى»، وطالباً من «القوى الأمنية القيام بمسؤوليتها كاملة عبر كشف المعتدين وتوقيفهم وسوقهم إلى محاكمة عادلة لا تشبه ما سبق من محاكمات صورية في جرائم مماثلة». بدوره، استنكر النائب في كتلة «لبنان أولاً»، نعمة طعمة، ما حصل في عين الرمانة، ودعا الجهات الأمنية المختصة «للقبض بيد من حديد على هذا الموضوع ومعاقبة كل المتورطين به وعدم التهاون». وخلص النائب طعمة إلى القول: «إن قدر هذا البلد التضحيات الجسام، وأن يبقى بنوه رسل حُبّ وسلام».
وكان النائب بطرس حرب قد أطلق تصريحاً حاداً عقّب فيه على الحادثة هو الآخر، إذ رأى في تصريح له أمس أن «ما جرى أمس في منطقة عين الرمانة يمثّل خرقاً كبيراً للسلم الأهلي القائم، ويعرّض الأمن لاهتزازات يمكن أن تؤدي إلى تباعد بين اللبنانيين وإلى أحقاد نحن في غنى عنها، في هذا الظرف الدقيق من تاريخ لبنان». وأشار النائب حرب إلى «أن المعالجات السابقة التي اقتصرت على عقد مصالحات وتبويس اللحى، خارج إطار السلطة والقانون، هي التي سمحت بتكرار مثل هذه الحوادث والتمادي بها، وهذا ما أدى إلى مقتل أحد المواطنين الأبرياء وجرح عدد من المواطنين الذين صودف وجودهم في مكان الحادث». وحذر حرب من أن عدم إنزال العقاب الملائم بحق الفاعلين قد يخلق ردّ فعل في عين الرمانة، يجبر المواطنين هناك على اتخاذ تدابير توفّر حمايتهم خارج إطار السلطة والشرعية». وفي الإطار ذاته، استنكر النائب ميشال فرعون الحادثة، وطالب الجهات الأمنية بـ«كشف سريع لملابسات الجريمة وإنزال أشد العقوبات بالفاعلين، منعاً لتكرار مثل هذه الحوادث التي تحمل أبعاداً خطيرة على مستوى الوطن في هذه المرحلة الدقيقة»، كذلك دعا الجهات السياسية المعنية إلى «التعاطي بمسؤولية كبيرة مع هذه القضية، وعدم المبادرة إلى حماية الفاعلين، بما لذلك من انعكاسات خطيرة على السلم الأهلي وعلى التعايش في منطقة يجدر أن تكون نموذجاً للعيش المشترك».
أما الأمانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار فقد تحركت بدورها، وأعلنت في بيان لها أن وفداً منها التقى قائد الجيش العماد جان قهوجي، فجر أمس، ضمّ النائب السابق فارس سعيد والمحامي ساسين ساسين. وقد شدد الوفد خلال اللقاء على إلقاء القبض فوراً على الجناة والقتلة والمعتدين على الأحياء الآمنة في منطقة عين الرمانة. والتقى الوفد نفسه المدير العام لقوى

كان جورج أبو ماضي متوجهاً إلى منزله أثناء حصول التضارب، قبل أن يتعرّض للطعن في القلب وينزف حتى الموت
الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، وعرضوا معه الموضوع نفسه. وأسف «تيار التوحيد اللبناني»، في بيان له أمس، لنتائج الخلاف الذي وقع في منطقة الشياح ـــــ عين الرمانة، وذهب ضحيته جورج أبو ماضي، معتبراً «أن ما حصل هو عمل تخريبي، يهدف إلى تقويض الانفراج والهدوء اللذين بدآ يخيّمان على الساحة اللبنانية منذ فترة». كذلك تقدم بالتعازي من التيار الوطني الحر ومن عائلة الفقيد، متمنياً على «قيادة الجيش والقوى الأمنية مواصلة تطويق مفاعيل الحادث، والإسراع في إجراء التحقيقات اللازمة لكشف المعتدين والمتآمرين». وفي سياق مواز، استنكر «تيار المردة» في قضاء بعبدا «الحادثة الأليمة»، وأهاب بجميع الأطراف «التحلّي بروح المسؤولية إزاء الحادثة، حفاظاً على السلم الأهلي والعيش المشترك اللذين كانا ولا يزالان يمثّلان صمام الأمان لمستقبل هذا البلد العزيز».
وعلى مستوى البلديات، استنكر رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، محمد سعيد الخنساء، «الحادث المؤسف الذي أدى إلى مقتل الشاب جورج أبو ماضي»، معتبراً أن «على الأجهزة الأمنية أن تتابع التحقيق في القضية، وتضرب بيد من حديد كل المخلّين بالأمن الوطني من أي بلدة كانوا، ولتأخذ العدالة مجراها»، مشيراً إلى أن «هذا الحادث الأليم يدخل في إطار الإشكالات الفردية، وعلى الجميع الابتعاد عن توظيفه في المجالات السياسية والمناطقية والطائفية». وشدّد الخنساء «على حسن العلاقة، على جميع المستويات، مع البلدات المجاورة كلها، التي تجمعنا بها قضايا وطنية كبيرة وروابط اجتماعية وسياسية»، كذلك توجّه باسمه وباسم اتحاد الضاحية الجنوبية وأهلها بأحر التعازي إلى أهل المغدور وإلى اتحاد ساحل المتن الجنوبي وأهله. وتحدث مسؤولو وممثّلو الهيئات الأهلية والمدنية والمؤسسات التربوية والمخاتير في منطقة ساحل المتن الجنوبي، بعد اجتماع لهم أمس، عن «مجموعات مسلحة بالسكاكين والعصي والأدوات الحادة تدأب منذ فترة طويلة على الدخول إلى منطقة الشياح عين الرمانة ليلاً، والقيام بممارسات استفزازية»، وتوجه المجتمعون إلى «المرجعيات السياسية وأهالي المناطق المجاورة لعين الرمانة للعمل على ضبط الممارسات اللامسؤولة، والسعي إلى الحفاظ على متطلّبات السلم الأهلي وأواصر الأخوة والجيرة، لدرء محاولات إثارة الفتنة، وقطع الطريق على المصطادين في الماء العكر».
(الأخبار)


التيار الوطني الحر ينعى أبو ماضيتجدر الإشارة إلى أن الشاب جورج أبو ماضي يبلغ من العمر 27 عاماً، ويعمل موظفاً في أحد المصارف المحلية، وهو من مواليد قرية الفريديس ـــــ قضاء الشوف، وموعد زفافه كان في العشرين من الشهر الحالي.


القاضي صقر يحقق

نجار يستنكر فوضى الدراجات النارية

استنكر وزير العدل إبراهيم نجار حادثة عين الرمانة، أمس، خلال حديث له مع إحدى الإذاعات المحلية، وشدد «على أن الحركات الاستفزازية ووقوع ضحايا أمر مرفوض في الظروف الراهنة في لبنان»، مبدياً «اعتقاده بعدم وجود جهة سياسية لبنانية يمكن أن تغطّي أو تشجّع هذا التحرك الذي يؤدي إلى غضب شعبي مثير لردود فعل مأساوية». وأكد وزير العدل «أن الموضوع هو فعل جرمي»، وطالب بضرورة ملاحقة الذين ثبت عليهم الجرم ومحاكمتهم»، مشيراً «إلى أن الأمن من اختصاص مجلس الأمن المركزي، ويجب ألا تكون الدراجات مطية لإشعال نار الفتنة، وخصوصاً أن البعض يفسّر هذه المواضيع كأنها رسالة سياسية أو أمنية يمكن أن تندرج في سياق أعمال شغب». يذكر أن القوى الأمنية كانت قد أطلقت حملة لتوقيف الدارجات النارية أوائل هذا العام، كانت حصيلتها 10151 دراجة نارية، وهو عدد إجمالي للدراجات التي قُمعت حتى منتصف العام الحالي.