عكار ــ روبير عبد اللهلم يكن الحدث عادياً في منطقة حلبا أمس. فهذه المرّة، خرجت البلدة الشماليّة من قضايا الفقر والإهمال المزمنين إلى الاهتمام بعالم آخر ليس غريباً كلّياً عنها: عالم الثقافة. فأمس، شهدت أروقة بلديّة حلبا حدثاً ثقافياً لافتاً ضمّ نخبة من المثقفين العكاريين الذين حضروا لافتتاح أوّل «خزانة» خاصّة بكتب المؤلفين من أبناء المنطقة. كان اللقاء بسيطاً. غابت عنه المظاهر الاحتفالية التقليدية، بحيث لم يكن برعاية أي من أصحاب السعادة أو المعالي، وهو ما أضفى على اللقاء بعض التميّز الذي لطالما سعى لتحقيقه المنظمون طيلة الأشهر الثلاثة التي حفلت بالتحضيرات والإعداد. طرح اللقاء الأوّل من نوعه في المنطقة، جملة تساؤلات عن الواقع الثقافي في البلدات العكاريّة وغيرها من القرى النائية التي لا تطالها يد الرعاية الرسميّة. وفي هذا الإطار، سأل ابن المنطقة الدكتور فرج زخور عن العوائق التي تقف حائلاً أمام كل بلدية من بلديات عكار لتأسيس مثل هذه الخزانة؟ لم يقف زخور عند هذا السؤال، طارحاً المزيد: ما الذي يمنع تفعيل اللجان الثقافية المنصوص عنها في قانون البلديات أو إحياءها؟ ثم ما الذي يمنع بلدية حلبا من إقامة معرض مركزي، تأخذ فيه مؤلفات العكاريين حيزاً واسعاً يليق بها؟ ولماذا لا تمد البلديات يد العون المادي والمعنوي لنشر المخطوطات التي غالباً ما يعجز أصحابها عن نشرها؟ ألا تتساوى أهمية إصدار كتاب بتشييد حائط أو رصيف؟ ترك زخور المجال مفتوحاً أمام الإجابة عن تساؤلاته، ومن ثم انتقل إلى واقع اللجان الثقافية العكارية. وانتقد، في معرض تبريره لأسباب فشل هذه اللجان، أداء السياسيين الذين «تبارزوا في محبة الثقافة، لكن من الحب ما قتل، وقد سمموا الثقافة». وفي السياق نفسه، شنّ الناشط الثقافي سميح ضاهر هجوماً لاذعاً على النواب والزعماء وممثلي الطوائف الذين «يسألون فقط عن أصوات الناخبين، ولا يعنيهم في كل المرافق والمؤسسات إلا تأكيد حضورهم، وهو حضور لم يكن من شأنه إلا الإساءة والتخريب». بدورها، رفضت مؤلفة كتاب «رحبة في الزمن العتيق» فاديا بربر توصيف أهل عكار باعتبارهم «شعب فقير بينام ع بكير». وانتقدت قلة الاهتمام بالمنطقة التي جعلت الشباب يبتعدون عن المطالعة، إضافة إلى دور وسائل الإعلام والاتصال الحديثة التي عززت ابتعاد هؤلاء الشباب عن الثقافة. أما السبب الآخر الذي قالت مديرة ثانوية حلبا إنه أسهم في التراجع الثقافي «فهو أن ثقافة الاستزلام تناقض الثقافة الإبداعية التي تنهض بالمجتمع من مستنقع الجهل. وليست السلطات القمعية هي التي فرضت هذا الواقع، بل هم المثقفون الذين أصبحوا أسرى الطائفة والمذهب والحزب». قد يكون افتتاح خزانة خاصة بمؤلفات العكاريين حدثاً فريداً، إلا أنه لم يكن طارئاً، فقد سبقته لقاءات عدة أقيمت في ثانوية حلبا الرسمية، حيث ناقش المجتمعون أسباب تعثر الحركة الثقافية العكارية. مع كلّ هذا، لم تكن الخزانة العكارية في بلدية حلبا في المستوى المأمول، إذ احتوت، إلى جانب الكتب القيمة، بضع رسائل جامعية لا تعدو كونها أعمالاً تدريبية على الكتابة أو التأليف، لكن مع ذلك يأمل المنظمون أن تكون «انطلاقة جدية لتعزيز المستوى الثقافي».


فكرة وخلاصة

في سياق إعلان بيروت عاصمة عالمية للكتاب، نشطت مجموعة من النخب الفكرية والثقافية في عكار، كان معظمهم أعضاء في المجلس الثقافي العكاري. وقد عمد الناشطون إلى قراءة نقدية لتجاربهم في المجالس الثقافية السابقة، وتوصلوا إلى خلاصة مفادها «أن المبادرة إلى دعم الأعمال العلمية والفنية والثقافية القائمة ومواكبتها أجدر من التوقف عند حدود النقد واجتراح الحلول النظرية». وفي إطار هذه الخلاصة، أجمع المثقفون العكاريون على ضرورة البحث في اتجاه تجميع الإنتاج الفكري والثقافي العكاري، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء خزانة للكتاب العكاري في قاعة المطالعة والتنشيط الثقافي في بلدية حلبا.