بسلوقيت ــ فريد بو فرنسيس لم تكد عقارب الساعة تشير إلى السابعة مساءً، حتى بدأ الشبيبة في بلدة بسلوقيت الجبلية إشعال النار تحت «دسوت الهريسة» التي عملوا على تحضيرها طوال النهار. فجأة يعلو صراخ ريمون حنا: «جيبوا حطب، لازم نولّع النار بقوة حتى تغلي المي بالدسوت». اثنا عشر دستا كبيراً تحوي حوالى مئتي كيلوغرام من القمح، وثلاثمئة وسبعين كيلوغراماً من اللحمة. الدخان يملأ الأجواء ويعطي إشارة واضحة للسكان بأن السهرة قد انطلقت. لم يكن ليل بلدة بسلوقيت في قضاء زغرتا السبت الماضي عادياً، فقد اجتاحها أبناؤها من دون أي إذن مسبق. قدموا إليها من كل مكان. «فالتاريخ أصبح معروفاً، واللقاء بات ثابتاً بالنسبة إلينا»، كما يقول الأهالي. إنه عيد شفيعي البلدة «سركيس وباخوس».
جولة صغيرة داخل أحياء بسلوقيت المتواضعة تكفي لتعطيك فكرة عن أهمية هذا اليوم بالنسبة للأهالي. فأرتال السيارات المتوقفة في كل مكان تضيء على زحمة الأبناء الزوار. الجميع يشارك في ورشة التحضير. «أنا منهمكة منذ الصباح بتحضير المائدة، إنها ليلة عزيزة على قلوبنا لأنّ العائلة تجتمع كلها في منزل واحد ويطول السهر»، تقول أنطوانيت رشوان وهي تقطع رزم البقدونس لتحضر التبولة. وتردف: «إنّه الطبق الرئيس على المائدة والجميع يحبه». لا يخلو بيت من تجمع للأحباب والزوار حول مائدة واحدة، وهي عادة درج عليها الأهالي. يتلاقى الأهالي مقيمين ومغتربين. ويقول دوميط مارون، أحد أبناء البلدة المغتربين: «آتي خصيصاً كل عام للمشاركة في هذه الليلة، لأنها تعني لي الكثير. فاللقاء حميم والأصحاب كثر والجميع مشتاق لهذه السهرة».
ضوء القمر والسماء الصافية والجو الهادئ عوامل دفعت الشباب والصبايا إلى القيام بجولات ليلية سيراً على الأقدام على طول الطريق المؤدي إلى داخل البلدة. كما يدفعهم عنفوانهم إلى ارتياد أماكن مظلمة أحياناً بعيدة عن أعين الساهرين. يجلسون على الصخور البيضاء الباردة، يتهامسون حيناً ويعلو صراخهم أحياناً. أما التجمع الأخير فيكون عند الجسر المشهور حيث يعودون بعدها مجدداً إلى البلدة في رحلتهم المكوكية، الجميع ينتظر طلوع الفجر لكي يأكل من «هريسة العيد».