زغرتا ــ فريد بو فرنسيسفوجئ الياس جنيد بثلاثة أشخاص يطرقون باب منزله في بلدة حرف إرده، طالبين منه عيّنة من مياه الشفة. لم يستجب جنيد، طالباً منهم بالتالي التعريف بأنفسهم. جاءه الجواب بأنّهم فريق طبي من مكتب الصحة في قضاء زغرتا التابع لوزارة الصحّة العامة، وأنهم يجرون فحوصاً مخبرية لمياه الشفة لمعرفة ما إذا كانت السبب في انتشار حالات الإسهال الحاد والتقيّؤ والحرارة المرتفعة لدى المواطنين في بعض بلدات القضاء. ارتعب جنيد لدى سماعه خبر الإصابات، وخصوصاً بعدما أشار الفريق الطبي إلى أنه بات هناك بينهم عدد كبير من الأطفال والمسنّين من بلدته، خلال الأيام الماضية وقد استوجب نقل عددٍ منهم إلى مستشفيات القضاء. هكذا، أخذت من مياهه عيّنة، لكن تبيّن لاحقاً أن مياه المنطقة خالية من التلوّث.
المفاجأة التي حملها الفريق الطبّي لجنيد تشبه بعض الشيء ما يجري أمام مستشفى سيّدة زغرتا التي كانت تعجّ أمس بالمصابين وأهاليهم، فقد كان الهلع والصدمة سيدَي الموقف هناك. وتقول إحدى الممرضات إنه «بعدما بيّنت الفحوص المخبرية أن المياه غير ملوّثة، من المرجح أن تكون الإصابات بسبب فيروس آخر». ثم تضيف «معظم الحالات التي وصلت إلى هنا هي من الأطفال أو من الرجال والنساء المسنّين». تنهي الممرّضة تعليقها، وتمضي مسرعة باتّجاه غرفة أحد المصابين، حاملة في يدها أمصالاً ومجموعة أدوية.
ويقول الاختصاصي في طبّ العائلة الدكتور فرنسوا صهيون «إنّ معظم الحالات الموجودة متشابهة: تقيّؤ مستمر وإسهال حادّ لا يتوقف، إضافة إلى الحرارة المرتفعة». ونفى أن يكون لهذه الإصابات علاقة بفيروس إنفلونزا الخنازير «إي إتش1 إن1»، مشيراً إلى أنها «نوع من أنواع الإصابة بفيروس السلمونيلا أو الشيغانيلا، وهي تحصل عادة نتيجة وجود جراثيم قوية في الخضر والفاكهة يصعب قتلها إلا باستعمال كميات كبيرة من المياه المعقّمة». وعن الدواء الذي يُستعمل لتخفيف الإصابة، يستعين صهيون بالأمصال والأدوية المخفّفة للإسهال. وطمأن الطبيب إلى أن هذه الحالات لا تدعو إلى القلق، لافتاً إلى أنها «كانت تحصل عادة في مناطقنا بسبب أكل الخضر أو الفواكه من دون غسلها جيداً، فتبقى الجراثيم أو آثار المبيدات السامة التي تستخدم في الرش عالقة فيها، وخاصة أوراق الخس أو الملفوف أو الهندباء وغيرها من أنواع الخضر والنباتات التي لا تطال المياه المعقّمة أوراقها».
غير أن تطمينات صهيون لم تنسحب على أهالي المصابين، فهؤلاء قلقون من الإصابة التي لم يعرفوا سببها إلى الآن. فمثلاً، يرجّح روني طنوس أن تكون والدته قد أصيبت جراء تناولها خضَراً من دون غسلها، ويضيف «ممكن تكون قطفتهم من الزرّيعة بدون ما تغسلهم». بدورها، تساءلت مروى خطار كيف أصيبت والدتها «فهي متوقّفة عن أكل الخضر منذ مدة بسبب مشاكل في أسنانها، فكيف التقطت الفيروس؟». تضيف «معقول تكون من المياه؟ ثم تجيب نفسها «بس لا، المياه قال الفريق الطبي إنها صالحة للشرب».


إحصاء غير دقيق

في الوقت الذي قام فيه الفريق الطبي التابع لوزارة الصحّة بالكشف على مياه المنازل، أشار المسؤول عن مستوصف حرف إرده الخيري يوسف بو فرنسيس إلى أن وزارة الصحّة كشفت على مياه نبعي القاضي ورشعين، وتبيّن أنهما خاليان من الجراثيم وصالحان للشرب. كذلك لفت بو فرنسيس إلى «أن الحالات المصابة لم تُحصَ جيداً، لأنّ هناك فئة من المصابين غير قادرين على دخول المستشفى، ولا نعرف كيف يُعالجون». وناشد وزارة الصحة «تأمين الأدوية والأمصال للمستوصف من أجل مكافحة الفيروس، لأننا لسنا قادرين على تحمّل الأعباء وحدنا»، مؤكّداً استعداد الفريق الطبي الموجود في المستوصف للقيام بدوره إذا توافرت الأمصال واللقاحات.